الناس لا يدركون درجة مدنيتهم العالية في الأعصر المتوغلة في القدم إلى أن اطلعوا على ما تركوه من المباني الباذخة ، والقصور الشاهقة ، والمصانع ، والسدود ، وغير ذلك من الآثار الدالة على رسوخ الحضارة ، وقرأوا ما عليها من الكتابات بالحميرية.
وقد كان أول من نبّه على ذلك الهمداني الحسن بن أحمد ، صاحب كتاب «صفة جزيرة العرب» وكتاب «الإكليل» لا سيّما في الجزء الثامن من «الإكليل» ، الذي فيه ذكر محافد اليمن ، ومساندها ، وقصورها ، ونقل كتابات بالقلم المعروف بالمسند ، وجاء بعض المستشرقين مثل «مولر» وغيره ، فحققوا ما قاله الهمداني ، ولم يجدوا فيه مبالغة ، ونشر «مولر» كتابا طبعه في فينا سنة (١٨٨١) عن هذه الآثار الباهرة واعتمد في تأليفه على «الإكليل» (١).
__________________
(١) هذا الكتاب عشرة أجزاء ، في أول الجزء الثامن منه مايلي : الجزء الثامن من «الإكليل» للحسن بن أحمد الهمداني ، وهو كتاب محافد اليمن ومساندها ودفائنها ، ومراثي حمير ، والقبوريات ، وشعر علقمة ، والمحفد القصد ، وإنما سمي محفدا لحفود الناس حوله ، أي شدهم وقصدهم ، ومنه دعاء الوتر «إليك نسعى ونحفد» والحفد الخدم.
واعلم أنّ كتاب «الإكليل» عشرة أجزاء.
فالأوّل ، مختصّ في المبتدأ وأصول الأنساب.
والثاني : نسب ولد الهميسع بن حمير.
والثالث : في فضائل قحطان.
والرابع : في السيرة القديمة إلى عهد تبّع أبي كرب.
والخامس : في السيرة الوسطى من أول أيام أسعد تبع ، إلى أيام ذي نواس.
والسادس : في السيرة الأخيرة إلى الإسلام.
والسابع : في التنبيه على الأخبار الباطلة والحكايات المستحيلة.
والثامن : في ذكر قصور حمير ومدنها ودواوينها ، وما حفظ من شعر علقمة ، والمراثي والمساند.