سنتين كاملتين ، فكان قصدي إلى الحجاز من لوزان بسويسرة ، عن طريق نابولي بإيطالية ، إذ ركبت منها البحر على باخرة إنكليزية إلى بور سعيد ، حيث نزلت ، وفي اليوم التالي ذهبت إلى السويس ، ومنها أبحرت إلى الحجاز ، في باخرة مكتظّة بالحجّاج ، فأحرمنا ولبينا من بحر رابغ ، ووصلنا إلى جدة من السويس في اليوم الرابع ، على ما وصفت في رحلتي الحجازية التي سيقرؤها المطالع.
وفي مساء يوم وصولي إلى جدة يسّر الله دخولي إلى البلد الأمين ، مبادرا إلى البيت العتيق بالطواف ، وإلى المروة والصفا بالسعي ، وبعد ذلك بيومين ، صعدنا إلى منى فعرفة ، ثم أفضنا منها إلى المزدلفة ، حيث بتنا ليلة ، ثم عدنا إلى منى ، حيث لبثنا ثلاث ليال ، وعدنا إلى البيت الحرام ، وتممنا مناسك الحجّ ، والله يتقبّل منا ، ويتوب علينا ، إنّه قابل التوب ، غافر الذنب ، العليّ الكبير ، لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، ويعفو عن كثير.
ولقد وجدت مناسبا أن أنشر ما ارتسم في مخيّلتي من هذه المشاهد ، وما انطبع في لوح دماغي من مناظر تلك المشاعر المباركة والمعاهد ، مقرونا بما يعنّ لي من الآراء ، مشتملا على ما عندي من الملاحظات التي أحبّ أن يطّلع عليها القراء ، فأرسلت إلى جريدة «الشورى» بمقالات كنت نشرتها فيها الفينة بعد الفينة. ذاكرا فيه مكة وعرفة ، ومنى والمزدلفة ، وتلك البقاع المعظمة المشرّفة.
ولما كنت بعد ذلك قد صعدت إلى الطائف مستشفيا من سقم أصابني في أثناء أداء الفريضة ، كتبت أيضا عن الطائف وجبالها ومرابعها ومنازهها ، وجنانها وكرومها وفواكهها ، ولم أقتصر في الوصف على جنانها الناضرة ، وأحوالها الحاضرة ، بل كررت النظر إلى الوراء من أمور تاريخية ماضية ، ومددته إلى الأمام في أمور اجتماعية مستقبلة ، بحيث جمعت في هذه الرسائل بين مباحث جغرافية وتاريخية ، ومواقف