ساعة ونصف ، أفضنا في منتهاها إلى يفاع أفيح ، عليه قرية كبيرة متفرّقة الحارات ، اسمها الفرع ، هي من أعلى المعمور في جبال الحجاز ، ومعنى الفرع في اللغة أعلى الشيء.
ومن محاسن هذه القرية أنّها مع علوها ـ ولا أظنه أقل من (٢٥٠٠) متر ـ عن سطح البحر ـ واقعة في بسيط من الأرض ، تحيط به الهضاب الخضر المغطاة بالحراج من الأرز والعرعر ، وهذا البسيط المطمئن في الوسط منه ما هو مزارع للحبوب ، ومنه ما هو مباقل للخضر ، ومنه ما هو جنان للفواكه ، وكلّ ما ينبت هناك يأتي بغاية الزكاء والفكاهة ، والجنان تسقى بالسواني والماء غزير (١).
ولما صرت في الفرع تمنيت أن يكون لي هناك مصيف ، ورجحته على أي مصيف آخر ، حتى على عين صوفر ، التي هي أنزه مصايف جبل لبنان مع كثرتها ، والتي قضيت مدة شبابي أقيّظ بها ، ولي فيها الأراضي الواسعة والعقارات ، نعم لم أجد أعلى ولا أهنأ ولا أعزل من الفرع.
وإلى الغرب من الفرع على مسافة (٢٠) دقيقة فقط شفير عال ، يشرف منه الإنسان على واد عميق ، قد حزرت انحطاطه عن الفرع بنحو ألف متر ، وقد ذكر لي أهل الفرع أنّهم في فصل الشتاء ينحدرون من الفرع إلى هذا الوادي بمواشيهم ، ويشتّون فيه ، ولا يبقى في القرية سوى بعض الحراس.
وأمام هذا الوادي إلى جهة الغرب ـ أي إلى البحر ـ جبل عال أيضا ، لكنّه ليس بعلو جبل الفرع ، ووراء هذا الجبل أودية أخرى ، ثم جبال أقلّ ارتفاعا ، وهكذا إلى أن تصل إلى البحر بين جدة والليث ، وقد سألتهم : كم مرحلة من الفرع إلى جدة؟ فقالوا : إنّهم يصلون إلى جدة في (٨) أيام بسير البعير.
__________________
(١) وقيل لي في المدينة لما زرتها سنة (١٣٣٣) : إن بالفرع ستين عين ماء.