فأما خصب أراضي اليمن الذي روى عنه هذه الروايات مؤرخو اليونان والرومان متفقين في ذلك مع مؤرخي العرب ؛ فقد اعترف به سياح الإفرنج الذين جوّلوا في بلاد اليمن ، إلا أن هؤلاء أشاروا إلى تناقص الأشجار والغابات بالقياس إلى الماضي.
وقد ذكر الهمداني اعتدال الإقليم في جهات صنعاء بخاصة ، وهذا يطابق ما قاله كلازر وغيره من السياح الأوروبيين ، وهو أنّ أعالي اليمن معتدلة الهواء ، وأنّ هذا الاعتدال هو السبب في كثرة محصولاتها.
ولقد شاهدت بنفسي في سياحتي إلى اليمن السنة الماضية (١) اعتدال بقعة صنعاء منذ صعدنا عقبة آنس ، حتى انتهينا إلى قرية يقال لها القبّة ، ثم إلى قرية أخرى يقال لها المعبر ، ومن هناك سرنا عدة ساعات بالسيارة الكهربائية في بسيط من الأرض يعلو ألفين إلى ألفين وخمسمئة متر عن سطح البحر ، إلى أن بلغنا صنعاء ، فمررنا ببقعة من أحسن بقاع الأرض ، وأكثرها قابلية زراعية ، وأجودها هواء وماء ، ولما وصلنا إلى صنعاء سألنا : هل يوجد كثير من نمط هذه البقعة في اليمن؟ فأجابونا بأننا لم نشاهد إلا جزءا يسيرا من البسائط المريعة المحيطة بصنعاء من الجهات الأربع. وقد كاشفت بما في نفسي من هذا الأمر الأمير الخطير السيد عبد الله بن الوزير أمير الحديّدة ـ وهو من العقل والفضل بالمقام الذي يندر مثله ـ فقال لي : إنّ اليمن في الحقيقة هي عبارة عن جبالها.
ولم تكن الزراعة وحدها سبب ثروة اليمن المدهشة في ذلك العصر ، كما تقدم الكلام عليه ؛ فقد أفاض المؤرخون الأولون من اليونان والرومان مثل ديودور وسترابون ، وأنختريد ، في ذكر تجارة
__________________
(١) [وذلك عام (١٩٣٤) حيث اشترك الأمير في وفد الصلح الذي أرسله المؤتمر الإسلامي للتوفيق بين الملك عبد العزيز آل سعود والإمام يحيى حميد الدين].