ولقد أجمع المؤرخون ، واتفق علماء الاجتماع ، أنّ سبب سقوط سلطنة العرب ، هو طبيعة هذه الأمة في الانقسام والانفراد ، وغرامها في منافسة بعضها بعضا (١) ، ولو لا آفة الانقسام هذه لكان التمسك بالأنساب هو من الفضائل الاجتماعية التي يتنافس بها ، ويتمكّن بها المصلحون لحكوماتهم وأوطانهم من ترقية أقوامهم بالبحث عن سلائلهم ، والاعتناء بحفظ أصالتها ، ومنع اختلاطها بغيرها ، مما يشوب نقاوتها.
أفلا ترى كيف ثار الألمان في هذه السنين الأخيرة ، وأوجدوا قضية النسب الآريّ ، ومنعوا بجميع الوسائل اختلاط الساميّ مع الآريّ بالمصاهرات ، حفظا للنسب الذي ينتمون إليه (٢) ، والذي لا يرون لهم رقيا إلا به وضمن خصائصه.
وما فعلوا ذلك إلا بناء على نظريات علمية ثابتة ، وهم وإن كانوا غلوا في هذا الأمر إلى حد أوجب انتقاد سائر الأمم لهم ؛ فلا يمكن أن يقال : إن قاعدتهم هذه غير راجعة إلى أصل صحيح (٣).
ونحن لو نظرنا إلى السبب في حفظ النسب لا نجده منحصرا في معرفة التاريخ ، ولا في الامتيازات المادية التي يحوزها أصحاب النسب في العادة ؛ ولكن هناك غرض آخر من ذا وذا ، وهو توارث الأخلاق التي تهتف بالفضائل ، والأفعال المجيدة التي تزكي الأنفس ، فمن المعلوم أنّ أصل
__________________
(١) [المنافسة في الخير محمودة ، وطريقة إلى المجد معدودة ، حين سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أمن العصبية أن يحبّ الرجل الخير لقومه ، فقال : «لا» أما العصبية المذمومة كانصر أخاك ظالما أو مظلوما فهي بريد المنافسة في الشر ، ومدرجة إلى الهلاك والبوار].
(٢) [في هذا شك ، فلا توجد أمة صافية العرق].
(٣) [بل كانت نظرية عنصرية بغيضة جرّت الدمار والبوار على البشرية جمعاء بما فيها الألمان أنفسهم ، وفي ذلك عبرة لأولي الألباب].