يزيدوننا في شيء واحد ؛ وهي هذه الأشعرة ـ جمع شعار ـ التي تمتاز بها كل عائلة منهم ، وتحفظها عهود متطاولة.
ونحن العرب لا يوجد عندنا هذا الاصطلاح إلا ما نذر ، وأكثر ما يكون في الأعلام والرايات ، فالعباسيون رايتهم السواد ، والأمويون رايتهم بيضاء ، والفاطميون رمزهم اللون الأخضر ، وأمراء مكة رايتهم عنّابية وما أشبه ذلك.
فنحن نستظهر على حفظ أنسابنا بالتواريخ والوثائق والصكوك القديمة ، وكثيرا ما نثبتها بالمحاكم الشرعية ، فأما أن تتخذ كلّ عائلة من بيوتات العرب شعارا خاصا تمتاز به كما هو الشأن عند الإفرنج فليس بمعهود ، وإنما جرت العادة عند العرب بأن تتخذ عشائرهم أسماء خاصة يتنادون بها في ميادين القتال ، فهؤلاء يقال لهم : إخوة بلجاء ، وهؤلاء يقال لهم : إخوة شيخة ، وأولئك يقال لهم : رعاة العليا ، أو فرسان الصّباح ، وما أشبه ذلك من الألقاب والكنى.
فأما نبلاء الإفرنج فلا تكاد تكون منهم أسرة شهيرة بدون شعار تجد صورته على آنيتها ومواعينها وحلاها وفي كتبها ، ويقال : إنّ أصل هذا الاصطلاح عندهم هو من زمان الصليبيين.
وقد غلا نبلاء الإفرنج في التمسك بأنسابهم ، ورفعوها أحيانا إلى أبعد ما يكون من الأعصر ، حتى دفع ذلك العقل. وغلا أيضا علماء الأنساب في مراعاة قواعدهم ، ودخل بينهم المتزلفون الوضّاعون ، الذين كانوا يتقرّبون إلى الأسر النبيلة بزيادة رفع الأنساب ـ أو بوضعها اختراعا ـ حتى وقعت الشبهة في الصحيح منها ، واتّهم النّسابون جميعهم بالكذب. وفي أوروبة مثل سائر يقولون : هو أكذب من نسابة (١).
__________________
(١) [تنبيه : حديث «كذب النسابون» حديث موضوع ، انظر «الأحاديث الضعيفة» رقم (١١١)].