وكان يوجد عند الملوك في أوروبة وظيفة اسمها وظيفة نسّاب الملك ، وهو ضباط من ضباط رهبانية روح القدس ، ترجع إليه مهمة تثبيت الأنساب ، لا سيما أنساب الفرسان ، الذين يقال لهم : شيفاليه (Chevalier) وذلك أنّ النبلاء كانت لهم حقوق لم تكن للعامة ، فكان النبيل يدخل في نظام الفرسان عند الملك مثل نظام مالطة ، وليون ، وسانت كلود ، وغيرها. فكانوا يحتفظون بأنسابهم لتكون لهم وسيلة إلى الدخول في هذا الأنظمة ، وكان للنساء النبيلات أيضا رهبانيات يدخلن فيها ، ويلتزمن لأجل الدخول فيها تثبيت أنسابهن.
وإثبات النسب كان عبارة عن إظهار ورقة المعمودية التي تثبت أنّ فلانا هو ابن أبيه فلان ، وأنّ هذه هي ابنة فلان وهلمّ جرا. وكانوا يقدّمون مع أوراق المعمودية الوصايا ، وعقود الزواج ، وصكوك الشراء والبيع والهبة ، وما أشبه ذلك من الوثائق ، وكانوا إذا حرّروا نسب عائلة وضعوا جميع فروعها في السجل ، وجعلوا بجانب كل فرع جميع ما يتعلق به من وصايا وعقود وأنكحة ، وصكوك مهمة بتواريخها مع براءات الملوك بذلك الفرع.
وهذه البراءات هي التي يقال لها في الدولة العثمانية : الفرامين ـ جمع فرمان ـ ومعناه الأمر ، ويقابل الفرمان في الدولة المغربية : الظهير.
وكانوا في أوروبة يذكرون أيضا في سجلات الأنساب تواريخ الأشخاص المشهورين ، ومن قتل منهم في الحروب (١) ، ويقال : إن هذا الاصطلاح بدأ في فرنسة منذ سنة (١٦٠٠) وإنه من قبل ذلك التاريخ لم تكن للأنساب دائرة خاصة ، بل كانت الحكومة عندما تريد التحقق من
__________________
(١) [وقد سبقهم العرب إلى هذا ، فقد ألف الإمام الكبير ، والمؤرخ العظيم البلاذري كتابه الجليل «أنساب الأشراف» ذكر فيه سجلات أنساب العرب وتواريخ مشاهيرهم وقد حققه وطبعه كاملا ، الأستاذ محمود الفردوس العظم].