مياه بحر جدّة في البهاء واللمعان ، كنت كيفما نظرت يمنة أو يسرة أشاهد خطوطا طويلة عريضة في البحر أشبه بقوس قزح في تعدد الألوان ، وتألق الأنوار ، من أحمر وأزرق وبنفسجي وعنّابي وبرتقالي وأخضر. ولا فرق بين هذه الخطوط وبين قوس قزح سوى أن هذه الخطوط مستقيمة ، وأن قسيّ قزح مقوّسة ، وأن هذه في السماء وهاتيك في الماء ، وقد تشبه هذه الخطوط ذيول الطواويس ، لا فرق بينها إلا في كون هذه الذيول المنسحبة على وجه البحر عظيمة جدا تمتدّ مئات من الأمتار ، وبعرض عشرات منها ، ولكن في تعدّد الألوان وموازاة بعضها لبعض وشدّة تألّقها الآخذة بالأبصار لا تجد بينهما بونا.
فكأن في كلّ جهة من بحر جدة مسرح طواويس سابحة في اللّجج الخضر ، وظهورها إلى سطح الماء ، الواحد منها بقدر ألف طاووس مما نعهد» (١).
وانظر إلى حديثه عن مكة ، وعن دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام الناس إلى الحج فيقول :
«فبدعوة إبراهيم هوت إلى هذا المكان وإلى المتمكنين فيه أفئدة ، ورفرت عليهم جوانح من جميع فجاج الأرض ، ترى الناس من ألوف من السنين يحجّون إلى البيت المحرم ، ويحرمون قبل الوصول إليه بمراحل ، ويوفضون إليه كأنما يوفضون إلى أنزه بقاع البسيطة ، وأطيبها نجعة ، لا يكادون يصدّقون أنهم مشاهدوه من شدة الوجد وغلبة الهيام ، حتى إذا شاهدوه فاضت العبرات ، وخفقت الجوانح ، وتمايلت الأطراف ، وانتقل الناس إلى عالم تكاد تقول : إنه غير هذا العالم» (٢).
ثم يقول : «وكم رأت طريق البيت الحرام من هذه المحارات وهذه
__________________
(١) ص (٤١).
(٢) ص (٤٩).