يجد القارىء هذا الفكر خيالا (١) ، ويصعب عليه أن يرى في تلك الصحراء حياضا وجنانا ، وروحا وريحانا ، وهذا كلّه خطأ في خطأ ، أو استخذاء في الهمم.
فالأوربيون احتلوا بلدانا كثيرة من أفريقية وآسية ، هي في الحرارة مثل مكة ، ومنها ما هو أشدّ حرارة من مكة ، وترى هذه البلدان الآن ـ بفضل العلم والفنّ والدأب والثبات ـ غير ما كانت [عليه] من قبل ، قد بدّلت فيها الأرض غير الأرض ، وقد خفّت فيها الحرارة درجات عما كانت ، بما أسالوا إليها من مياه ، وما غرسوا من أشجار ، وما أحدثوا من مروج خضر ، وما أزالوا من غبار ، وهكذا صارت قابلة للسّكنى ، وصار كثيرون من الأوربيين يقيّظون فيها بسهولة ، وذلك أنّهم سألوا العلم فأجابهم ، واستدرّوا ضرع الفنّ فجاد عليهم ، واعتصموا بحبل الثبات فأورثهم الثبات نباتا ، وتغلّبوا على الطبيعة ، وخففوا بأسها ، ونعّموا حرشتها (٢).
ونحن باقون على ما كنّا عليه في القرون الوسطى أو قريب ، من ذلك ، نجد كلّ تغيير بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وننسى أنّ من البدع بدعا مستحسنة لا بدّ منها ، وأن الضلالة كلّ الضلالة هي الجمود على القديم ، الذي لا قوة له إلا حكم العادة ، ولا كتاب يأمر به ولا سنة (٣).
__________________
(١) [وهذا ما تحقق فعلا ، فقد شجّرت حكومة المملكة العربية السعودية عرفات ، وأصبحت أشجارا وجنانا].
(٢) [الخشونة].
(٣) قوله صلىاللهعليهوسلم «كلّ بدعة ضلالة» [رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح] مراده به البدعة في الدين نفسه ، كما يدلّ عليه السياق. وقول العلماء : إنّ البدعة تنقسم إلى حسنة وسيئة مرادهم به ما يتجدّد للنّاس من المصالح والمنافع العلمية والعلمية ، ودليلهم عليه حديث «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده ، من غير أن ينقص من أجورهم