وإن لم يبق لنا عذر من قبل الدّين والعرف ، رجعنا نلتمس لأنفسنا المعاذير من عدم إجابة الطبيعة نفسها إلى ما نريد.
وأجيب ـ بشأن عرفة ـ بأنّ صحراءها رملية ، وأنها بحذاء جبال عالية ، وكلّ من رآها يحكم بأنّ في باطن أرضها مياها ، لا بل فيها آبار قديمة مسمولة (١) ، تدلّ على وجود المياه ، فما علينا إلا أن نجرّب عملية الآبار الإرتوازية في عدة مظانّ منها ، فإن رأينا الأرض لم تبضّ بالماء في كل ذلك السهل الأفيح ، تركنا المشروع من أساسه.
ولقد بلغني أنّ الملك ابن سعود ـ أيده الله ، ووفقه إلى كل خير ـ قد أذن لأناس من الهولنديين أن يجرّبوا حفر آبار إرتوازية بين جدة ومكة ، فشكرت لجلالته هذا الإذن ، ورجوت أن تثمر هذه التجربة بما ينشّط الملك على الأمر بالحفر في مواضع كثيرة من هذه البلاد ، من جملتها عرفة والمزدلفة ومنى ، والله قد جعل من الماء كلّ شيء حيّ في الأقاليم الباردة ، فكيف في الحجاز؟ والأرض الرملية التي مثل عرفة هي أسرع نباتا ، وأبدر إلى الخضرة ، فإذا جاءها الماء لم تكن إلا سنة واحدة حتى اهتزّت وربت ، وأنبتت من كلّ زوج بهيج.
وقد يؤتى من البلاد الحارة كالهند وجاوة بأشجار سريعة البسوق ، ورياحين باكرة السموق ، لا تمضي سنوات حتى ترى فروعها في السماء ، وأغصانها لا حقة بالأرض ، فتنقلب عرفات من هذه الغبرة الباسرة ، إلى الخضرة الناضرة ، التي لا تضرّ شيئا بمناسك الحجاج ، بل تزيدهم من الفرح والابتهاج.
__________________
شيء ، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء» رواه مسلم [١٠١٧] مصححه.
(١) [قليلة المياه].