قال أبو سفيان : فخرجت ، فجلست على باب منزل رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، حتى خرج إلى الجحفة وهو لا يكلمني ولا أحد من المسلمين. وجعلت لا ينزل منزلا إلا أنا على بابه ، ومعي ابني جعفر قائم ، فلا يراني إلا أعرض عني.
فخرجت على هذه الحال حتى شهدت معه فتح مكة ، وأنا في خيله التي تلازمه حتى هبط من أذاخر ، حتى نزل الأبطح ، فدنوت من باب قبته فنظر إلي نظرا هو ألين من ذلك النظر الأول ، قد رجوت أن يبتسم ، ودخل عليه نساء بني عبد المطلب ، ودخلت معهن زوجتي فرقّقته عليّ.
وخرج إلى المسجد وأنا بين يديه لا أفارقه على حال ، حتى خرج إلى هوازن ، فخرجت معه وقد جمعت العرب جمعا لم تجمع مثله قط.
وخرجوا بالنساء والذرية والماشية ، فلما لقيتهم قلت : اليوم يرى أثري إن شاء الله. فلما لقيناهم حملوا الحملة التي ذكر الله : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) (١).
وثبت رسول الله «صلىاللهعليهوآله» على بغلته الشهباء ، وجرد سيفه.
فاقتحمت عن فرسي وبيدي السيف صلتا ، قد كسرت جفنه ، والله يعلم أني أريد الموت دونه ، وهو ينظر إلي ، فأخذ العباس بن عبد المطلب بلجام البغلة ، فأخذت بالجانب الآخر ، فقال : من هذا؟
فقال العباس : أخوك وابن عمك أبو سفيان بن الحارث! فارض عنه ، أي رسول الله!
قال : قد فعلت ، فغفر الله كلّ عداوة عادانيها!
__________________
(١) الآية ٢٥ من سورة التوبة.