بإزائها بل بإزاء مصاديقها الخارجية التي هي معان حرفية.
فلفظة «مِن» موضوعة لمصداق الابتداء لا لمفهوم الابتداء الكلّي وإلّا ينقلب المعنى الحرفي اسمياً ، فالمحكيّ بلفظة «من» في قولك : «سرت من الكوفة إلى البصرة» ليس هو مفهوم الابتداء بل مصداقه الخارجي الذي لا يتحقّق إلّا بطرفيها ، أعني : «السير» و «الكوفة». (١)
نعم هناك حروف ربما لا تنطبق عليها ما ذكرنا من الضابطة ، وهذا نحو «واو» الاستئناف و «تاء» التأنيث في «ضربتْ» و «قد» في الفعل الماضي ، فالأولى عدّها علامات لا حروفاً.
هذا كلّه حول الأمر الأوّل.
وأمّا الثاني ، أعني كيفية وضعها ، فقد ظهر ممّا ذكرنا انّ وضع الحروف من قبيل الوضع العام والموضوع له الخاص ، فانّ الواضع لاحظ المعنى الاسمي ، فوضع اللّفظ بإزاء مصاديقه التي هي معان حرفية.
فإن قلت : إذا كان الملحوظ معنى اسمياً فلا بدّ أن يكون مصداقه أيضاً كذلك ، فحينئذ كيف يصحّ أن يقال «انّ الواضع لاحظ المعنى الاسمي ووضع اللفظ بإزاء مصاديقه التي هي معان حرفية مع انّ مصداق كلّ شيء بحسبه.
قلت : انّ المعاني الاسمية على قسمين :
١. ما يتمتع بالاستقلال تصوراً ومصداقاً ، لحاظاً وتطبيقاً وذلك كاسماء الأجناس مثل الإنسان فله مفهوم مستقل كما انّ له مصداقاً كذلك عند التطبيق على الخارج.
__________________
(١) وما ذكرناه هو المعروف بين الأُدباء في معاني الحروف ، وهناك نظريات أُخرى كنظرية المحقّق الرضي في شرح الكافية : ١٠ ، ط مصر ، التي اختارها المحقّق الخراساني ، ونظرية المحقّق صاحب الحاشية ، ونظرية المحقّق النائيني وتلميذه المحقّق الخوئي وقد بسطنا الكلام في نقد هذه النظريات في محاضراتنا المدونة باسم «المحصول» : ٦٢ / ٦٨١.