ميتا ، أنت تعلم (١) أني قد أحسنت إلى الناس دفعتين فما شكروني ، ومشوا على دمي والله لأسيئن ، فلما خرجنا من حضرته قال لي : إني سمعت بأعجب من هذا الكلام نحن لم ننجب من الإحسان دفعتين [ما] (٢) ننجب من الإساءة ، فما مضت إلا أيام يسيرة حتى قبض عليه وجرى ما جرى على أمره.
قال الصولي : لما ولي ابن الفرات الوزارة الثالثة خرج متغيظا على الناس لما كان فعله حامد بن العباس لما ولي الوزارة بابنه المحسن فأطلق يد ابنه على الناس ، فقتل (٣) حامد بن العباس بعد أن عذبه عذابا عظيما ، وترك طلب المال وطلب الأنفس ، فأثار (٤) العالم وكان مشئوما على أهله وماحيا (٥) لمناقبهم ، ولما أسرف في ضلاله ولعنته اعتل فأصبح الناس يرجفون به لما في نفوسهم ، ثم خرج مثل الشيطان ، فقلت في وقتي :
يا من لسجنه عين منه تقرأ العيون |
|
ومن إذا أسر يوماً فكلنا محزون |
قالوا المحسن أوذي فقلت ذا لا يكون |
|
إني اهتدت بالقوى إلى المنون المنون |
قال الصولي : وقبض المقتدر على ابن الفرات ، وأفلت ابنه المحسن فاشتد السلطان وجميع الأولياء في طلبه إلى أن وجد وقد حلق لحيته وتشبه بالنساء ولبس خفّا وإزارا وطولب هو وابنه بالأموال ، وسلما إلى الوزير القاسم [بن] (٦) عبيد الله بن محمد بن عبيد الله فعلما أنهما لا يفلتان ، فما أذعنا بشيء واختالا ممن مضى إلى السلطان ، فتضمن عنهما أنهما إن أخرجا عن أيدي أعدائهما وأخذهما السلطان إلى داره حملا إليه مالا كثيرا ، فهم السلطان بذلك ، فاجتمع الرؤساء : مؤنس ، ونصر الحاجب ، وشفيع اللؤلؤي ، ونازوك ، وشفيع المقتدري ، فتشاوروا وقالوا : إن تمكن من السلطان أهلك الجماعة ، فأشار نصر الحاجب بأن يتقدم إلى الغلمان الحجرية أن يحملوا السلاح ويقولون (٧) أترى مولانا يوليه وزارة رابعة ، وأنهم لا يرضون بتلفه وتلف ابنه المحسن ،
__________________
(١) في الأصل : «أنت تعلم أنت تعلم».
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(٣) في الأصل : «فقبل».
(٤) في الأصل : «فامار».
(٥) في الأصل : «ما حنا».
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(٧) هكذا في الأصل.