أما الكتاب ، فبقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)(١) ، فقد يستدل به على البراءة بناء على أن المراد بالإيتاء في التكاليف الإعلام بها وإيصالها للمكلف فتدل على عدم التكليف بما لم يصل للمكلف ، وتكون معارضة لأدلة وجوب الاحتياط المقتضية للتكليف بالواقع والمؤاخذة به مع الجهل به ، من دون أن توجب العلم به ليخرج عن موضوع الآية.
ومجرد اقتضائها العلم بوجوب الاحتياط لا ينفع بعد عدم كونه موردا للمؤاخذة ، لكونه طريقيا ، كما تقدم.
نعم ، لو كانت بصدد بيان توقف المؤاخذة على قيام الحجة في الجملة وإن لم تتعلق بنفس التكليف المؤاخذ به كانت مساوقة للآية المتقدمة في الأصل الأولي ، كما ذكره بعض الأعاظم قدّس سرّه.
لكنها بعيدة عن ذلك ظاهرة في لزوم ايتاء نفس التكليف المؤاخذ به.
ومثله ما ذكره بعض الأعيان المحققين قدّس سرّه من أن مفاد الآية إنما هو نفي الكلفة من قبل التكاليف المجهولة ، بمعنى عدم صلوحها بنفسها لإيجاب المؤاخذة ، لا نفي الكلفة عليها مطلقا ولو من قبل جعل إيجاب الاحتياط.
لاندفاعه : بأن ظاهر الآية ليس مجرد عدم صلوح التكاليف المجهولة لتسبيب الكلفة ، كي لا تنافي تسبيب إيجاب الاحتياط لها ، بل عدم تحقق الكلفة بالإضافة إلى التكاليف المجهولة مطلقا ، فينا في مقتضى أدلة الاحتياط من تحقق الكلفة بالاضافة إليها.
وأشكل منه ما ذكره قدّس سرّه من أن إيتاءه تعالى لما كان عبارة عن إعلامه ، وكان المراد منه إعلامه بالطرق المتعارفة التي هي عبارة عن إرسال الرسل وأمرهم بتبليغ الأحكام ، كان مقتضى الآية عدم ثبوت مسئولية التكليف مع عدم أمر
__________________
(١) سورة الطلاق : ٧.