إنما هو في ما إذا علم المراد من الكلام ، وشك في صدوره بداعي الارشاد أو المولوية ، كما لو دار الأمر بينهما في بعض الأوامر والنواهي في بعض الامور التي يحتمل صدورها للإرشاد إلى آثارها الوضعية ، لا للمولوية ، وكما قيل في أوامر الاحتياط في الشبهة البدوية.
أما مع تردد معنى الكلام بين أمرين أحدهما ارتكازي قد أنس به الذهن فالمتعين الحمل عليه ، وإن لزم منه الإرشاد.
هذا ، مضافا إلى أن المنصرف من عدم السقوط هو البقاء بالنحو الذي كان ثابتا سابقا ، فكما يكون بقاؤه بالتكليف به استقلالا يكون المفروض ثبوته سابقا بالوجه المذكور ، لا في ضمن التكليف بالكل ، كما لعله ظاهر بالتأمل.
ودعوى : إشعار الحديث بالارتباطية بين المعسور والميسور ، بنحو يصح الردع عن توهم سقوط الثاني تبعا للأول ، إذ مع عدم الارتباطية بينهما لا منشأ للتوهم المذكور ، ليحسن الردع عنه.
مدفوعة : بأن ذلك لا يتوقف على الارتباطية بينهما شرعا ، بل يكفي فيه الارتباط بينهما في مقام العمل ، بسبب الارتباط بينهما في حدوث الداعي لهما في نفس الفاعل ، لكون أحدهما من شئون الآخر الموجبة لكماله واعتداده به ، وإن لم يكن قيدا فيه شرعا ، فلا يصلح ذلك للخروج عما ذكرنا.
فالمتعين حمل الحديث الشريف على إرادة التكاليف المفروغ عن كونها انحلالية بلحاظ الميسور ، من مراتبها الفاقد لبعض الأجزاء أو الخصوصيات الكمالية ، ردعا عما قد يقع من كثير من الناس ، بل أكثرهم ، من التسامح عن الميسور حينئذ لعدم الاعتداد به ، كما نشاهده في كثير من أعمال الخير التي يتركها الناس رأسا ، لعدم تيسرها بالمراتب المعتد بها بنظرهم ، فمن لا يستطيع إشباع جائع لا يعينه بتمرة ، ومن لا يستطيع صلاة النافلة من قيام لا يغتنمها في حال الجلوس أو المشي ، معتذرا بالمعسور غافلا عن اغتنام الميسور.