المفروغية عنه.
فالمقام نظير قول القائل في مقام الأمر بالحمية : ترك الأكل أهون من علاج المرض ، فإنه ظاهر في المفروغية عن كون الأكل معرضا للمرض ، ولبس كقولنا : الأكل يوجب المرض ، في كونه مسوقا لبيان ذلك.
وحينئذ فحيث لا مفروغية عن منجزية الشبهة بالمعنى الذي يريده المستدل ، لما هو المعلوم المتفق عليه ظاهرا من أن مقتضى الأصل العقلي عدم منجزية الشبهة بالمعنى المذكور ، فلا مجال لحمل النصوص عليه ، بل على المعنى الذي ذكرناه ، الذي هو مفروغ عن تنجز التكليف معه.
ولأجل ما ذكرنا فلو فرض حمل الشبهة في النصوص المذكورة على المعنى الذي يريده المستدل تعين اختصاصها بما ثبت من الخارج تنجز التكليف معه ، ولم تنهض هذه النصوص بإثبات منجزيتها مطلقا ، إذ ليست مسوقة لبيان المنجزية تعبدا ، بل للإرشاد للتوقف عن الشبهة المفروض منجزيتها ، والتعرض للهلكة بالإقدام عليها.
ونظير ذلك ما تقدم من المثال ، فانه لا إطلاق للاكل المنهي عنه في المثال الأول يقتضي المنع عن كل أكل ، بل لا منع إلا مما كان منه مضرا ، ولا بد من اثباته من الخارج ، بخلاف المثال الثاني ، فإن الإطلاق فيه مستحكم ، كما هو ظاهر.
وقد تحصل من جميع ما ذكرنا : أن النصوص المذكورة واردة للإرشاد إلى لزوم التوقف في الشبهات التي يتنجز فيها التكليف الواقعي ، من دون فرق بين الشبهات الموضوعية والحكمية التحريمية والوجوبية ، لعموم التعليل فيها لو فرض قصورها لفظا عن شمول الشبهات الوجوبية ، ولا تنهض باثبات منجزية التكليف الواقعي بمجرد الشك فيه ، لينفع في ما نحن فيه في معارضة أدلة البراءة ، أو الورود عليها ، بل أدلة البراءة هي المقدمة لورودها على المضمون المذكور ، لأنها موجبة للعلم بالوظيفة الفعلية والأمن من العقاب