فإن تقديم أحد الخبرين المتعارضين في ذلك حيث يرجع إلى تكذيب الآخر فلا مجال له مع فرض وثاقته وصدقه في نفسه ، وإلا لم يعمل بسائر أخباره حتى مع عدم المعارضة ، إذ ليس بناء العقلاء على تصديق من ثبت كذبه ، فلا يكون الترجيح به عقلائيا عرفيا ، بل يكون تعبديا محضا محتاجا إلى دليل خاص.
ومن الظاهر أن رجوع التعارض بين الخبرين إلى عدم ضبط أحد الراويين إنما يتجه في مثل اختلاف النسخ واختلاف رجال السند في الخبر الواحد ونحوهما مما يرجع لاحتمال التصحيف والخطأ ، دون غيرها من صور التعارض مما لا يستند عرفا لخطأ أحد الراويين وغفلته.
وثانيا : أن هذا إنما يتم إذا كان التعارض مستلزما للعلم بكذب أحد الخبرين المتعارضين وعدم صدوره ، دون ما إذا احتمل صدور كل منهما واستناد التعارض بينهما لأمر آخر من تقية أو نحوها ، كما هو الشائع أو الغالب في تعارض أخبار الثقات ، حيث لا وجه لارتفاع الوثوق بخبر الثقة بمجرد معارضته بخبر الأوثق.
كما لا يتعين حينئذ بنظر العقلاء اللجوء للمرجح الصدوري ، من الأوثقية ونحوها ، بل هو أمر تعبدي محض محتاج إلى دليل خاص.
وقد ظهر مما ذكرنا قوة الرجوع للأضبطية في مثل اختلاف النسخ مما كان منشأ الاختلاف فيه منحصرا بخطإ النقل وغفلة الناقل. وهو لا يختص باختلاف الناقلين ، بل يجري في اختلاف كتابي الشخص الواحد إذا ابتنى النقل في أحدهما على مزيد الضبط والإتقان وشدة المحافظة على المتن بخصوصياته.
نعم ، المتيقن من ذلك ما إذا كان التفاوت في الضبط بنحو معتد به ، ولا يكفي أدنى التفاوت في ذلك. فلاحظ.