الاصولية يسهل اثباتها في الجملة ، ولا يحتاج لقوة النظر إلا بعض خصوصياتها ، ولا يتوقف على تلك الخصوصيات إلا قليل من الفروع الفقهية ، فالجهل بها لا يوجب إلّا العجز عن تشخيص الوظيفة في تلك الفروع ، مع القدرة على تشخيصها في الفروع الأخر غير المبتنية على تلك الخصوصيات ، كبعض خصوصيات مسألة اجتماعي الأمر والنهي ، والجمع العرفي ، وحجية العام في عكس نقيضه ، وفي الشبهة المصداقية ، وحجية بعض مراتب الإجماع ، والخبر الصحيح المهجور بين الأصحاب والضعيف المعمول به عندهم ، وانقلاب الأصل في الدماء والفروج والأموال ، وجريان الاستصحاب التعليقي ، أو استصحاب القسم الثالث من الكلي أو حكم المخصص أو العدم الازلي ، ومقتضى القاعدة في المتكافئين ، وغير ذلك مما يلزم من عدم الفراغ عنه إلا التوقف في خصوص بعض الفروع.
كما لا ريب في اختلاف الفروع الفقهية في الاحتياج إلى دقة النظر وإعمال الذوق الفقهي ، لابتناء بعضها على بعض الاستظهارات الخفية والالتفات للنكات الدقيقة أو بعض وجوه الجمع العرفي المحتاجة لحسن السليقة ، أو ملاحظة بعض القرائن ككلمات الأصحاب ومقدار الابتلاء بالحكم ، ونحو ذلك مما لا يتسنى إلا للممارس الماهر ، ويعجز عنه كثير ممن تمت مبانيه الاصولية وسهل عليه كثير من المسائل الفقهية بسببها ، فإن المباني الاصولية وحدها لا تكفي في القدرة على الاستنباط ما لم يتيسر لصاحبها تشخيص موضوعاتها بنحو تطمئن به النفس ويركن إليه في مقام العمل ، وهو لا يتسنى لكل أحد ، خصوصا في بعض الفروع.
وبذلك يظهر أن البناء على إمكان التجزي بل وقوعه هو المتعين.
بل ذكر المحقق الخراساني قدّس سرّه أنه يستحيل عادة حصول اجتهاد مطلق غير مسبوق بالتجزي ، للزوم الطفرة.