وما ذكره متين بلحاظ الوضع المتعارف من تدرج الباحث في المعلومات ، وفي المهارة فيها وقوة النظر والذوق الفقهي باستمرار الممارسة ، فلا يتسنى له في أول مراحله إلا تشخيص الوظيفة في الفروع الفقهية غير المعقدة ، التي يسهل إثبات كبرياتها الاصولية وإحراز موضوع تلك الكبريات فيها ، ثم يقوى على الأصعب فالأصعب بطول الزمن واستمرار الممارسة ، وإعمال النظر والملاحقة.
وربما يبقى عاجزا عن تشخيص الوظيفة في بعض الفروع ، لشدة تعقدها واضطراب الوجدان عليه فيها ، لتصادم جهات الكشف عن الوظيفة الفعلية ، كما يبتلى به أعاظم المجتهدين في كثير من الموارد ، فيتوقف عن الفتوى فيها ، ويقتصر على بيان مقتضى الاحتياط ، وهو الذي اصطلح عليه في عصورنا بالاحتياط الوجوبي ومن هنا لا يكون مجتهدا مطلقا بالمعنى المتقدم. ولعله لذا اكتفى في الفصول في الاجتهاد المطلق بالقدرة على استنباط جملة معتد بها من الأحكام.
وأما ما ذكره غير واحد من أن تردد المجتهد في بعض المسائل إنما يكون بالإضافة للحكم الواقعي ، لعدم الظفر بالدليل عليه مع استكمال الفحص ، لا لقصور الباع أو قلة الإطلاق ، من دون تردد في الوظيفة الفعلية.
فهو كما ترى! لوضوح عدم انحصار وظيفة المجتهد ببيان الحكم الواقعي ، بل يكفي تعيينه للوظيفة الفعلية مع وضوحها عنده ، ويجب اتباعه فيها ، ولا يجب الاحتياط معها ، كما لا يجوز للعامي الرجوع لغيره ممن هو دونه في الفضيلة ، وإن أفتى بالحكم الواقعي اعتمادا على ما يراه حجة عليه.
نعم ، يحسن الاحتياط لإصابة الواقع ، أو لتجنب بعض الاحتمالات غير المعتد بها بعد معرفة الوظيفة الفعلية ، وهو احتياط استحبابي بمصطلح العصر.
ودعوى : أنه بعد فراغ المجتهد عن وجوب العمل بالحجة الفعلية ،