إذا عرفت هذا ، فالظاهر أنه لا طريق لإحراز الردع عن مقتضى السيرة المذكورة ، لعدم الأدلة الخاصة على الردع عن التقليد ، لاختصاص ما ورد بتقليد أهل الخلاف ونحوهم ممن لا يرجع في أحكامه لأهل البيت عليهم السّلام بل يعتمد فيها على غيرهم أو على إعمال الرأي والاستحسان ونحوهما مما لم ينزل الله سبحانه وتعالى به من سلطان أو بتقليد الجهال ممن لا داعي لتقليدهم الا العصبية العمياء والحمية الجاهلية ، كما اشير إليه في مثل قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(١).
وعدم صلوح ما دل على عدم حجية غير العلم له ، لعدم ثبوت عموم له ينهض ببيان عدم الحجية لكل ما لا يفيد العلم ، فضلا عن أن ينهض بالردع عن مثل التقليد مما كان موردا للسيرة العقلائية ، ولا سيما مثل هذه السيرة الارتكازية المستحكمة التي ابتنى عليها نظام معاش العباد ومصادرهم لاحتياج الردع عنها إلى بيان خاص ملفت للنظر ، ولا يكتفى بمثل العموم الذي ينصرف عن موردها بسبب استحكامها.
وقد سبق في أول الكلام في مباحث الحجج عند الكلام في أصالة عدم الحجية ، وعند الاستدلال على حجية خبر الواحد بسيرة العقلاء ما ينفع في المقام. فراجع.
بل الظاهر استفادة إمضاء السيرة المذكورة من أمور ..
الأول : سيرة المتشرعة خلفا عن سلف وإجماعهم العملي على الاجتزاء بأخذ الأحكام من المجتهدين ، لما هو المعلوم من عدم تيسر الاجتهاد لغالب المسلمين ، فلو لم يشرع لهم ذلك ولم يجر عملهم عليه لزم الهرج والمرج واختل نظام معاشهم ومعادهم.
__________________
(١) المائدة : ١٠٤.