المقاربة لعصور المعصومين عليهم السّلام مبنية على غفلة العوام عن الاختلاف بين العلماء ، خصوصا مع عدم تعارف تدوين الفتاوى ، كما قد يغفلون عنه في العصور المتأخرة ، والفحص عن الأعلم إنما يحتاج إليه مع العلم بالاختلاف.
كما قد تكون مبنية على عدم وجوب ترجيح الأعلم ، لعدم كونه اتفاقيا.
ولعل ما ذكرنا هو الوجه في عدم اهتمام كثير بالفحص عن الأعلم من العلماء المعاصرين لهم ، بل يسألون كل من يبتلون به ويتيسر لهم سؤاله.
وثانيا : بأن عدم وجوب الفحص عن الأعلم من الأموات لا ينافي حجية فتوى الميت ووجوب تقليده مع العلم بأعلميته ، إذ لعل عدم الفحص ناشئ من تعسر الاطلاع على الأعلم من الأموات ولو نوعا ، نظير تعسر الاطلاع على حال بعض الأحياء ممن لم يتصد للتقليد ، ولم يظهر ما يكشف عن مرتبته العلمية ، أو سكن البلاد النائية ، حيث قد يدعى سقوط الفحص عنه حينئذ ، ولو بضميمة السيرة الكاشفة عن عدم تكليف الشارع بذلك.
والذي ينبغي أن يقال : من كان من الأموات غير معلوم الفتوى لا أثر لأعلميته ، لأن ترجيح الأعلم فرع الاختلاف ، وهو غير معلوم ، وما كان منهم معلوم الفتوى يتعسر بل يتعذر غالبا الاطلاع على حالهم حين صدور الفتوى منهم ، لعدم الإحاطة بطريقتهم في الاستدلال وكيفية فهمهم الأدلة وجمعهم بينها ، ليعلم بذلك مدى خبرتهم ، فينبغي الرجوع فيه للقاعدة المذكورة فيما إذا تعذرت معرفة الأعلم ، فإن بني على التخيير ، فحيث يحتمل مانعية الموت من أصل التقليد يدور الأمر بين التعيين والتخيير في الحجية ، فلا يجوز اختياره اقتصارا على المتيقن فيها ، وان بني على الاحتياط كان طرفا له.
إلا أن يعلم أو يطمئن بأنهم دون المتأخرين نوعا كما قد يشهد به التأمل في حال من تيسر الاطلاع على طريقتهم في الاستدلال ، حيث تظهر متانة المتأخرين وضبطهم لقواعد الاستدلال وسيطرتهم على إعمالها ، تبعا لتطور