طبق ما يستقر عليه رأي المجتهدين ( ومرجع ) ذلك أيضا إلى خلو الواقعة عن الحكم مع قطع النظر عما يؤدي إليه نظر المجتهد واجتهاده ، غير أن الفرق بينهما هو خلو الواقعة في الأول عن الحكم رأسا قبل اجتهاد المجتهد واستقرار رأيه بالحكم ( وفي الثاني ) كانت الواقعة محكومة عند الله بما سيستقر عليه رأيه من الوجوب أو الحرمة أو غيرهما ( وثالثها ) خلو الواقعة عن الحكم الفعلي ، بمعنى ان له سبحانه حكم واقعي في كل واقعة يشترك فيه العالم والجاهل ، الا ان الحكم الفعلي يكون على طبق ما يؤدي إليه اجتهاد المجتهد ، فربما يتوافق الحكم الواقعي والفعلي وربما يتخالفان ، فكان التصويب في مرحلة الفعلية ، لا في مرحلة الواقع ( ورابعها ) ان يكون التصويب في مرحلة الحكم الظاهري الثابت في المرتبة المتأخرة عن الشك بالواقع مع كون الحكم الواقعي حتى بمرتبة فعليته مشتركا بين العالم والجاهل ، كما هو لازم القول بموضوعية الامارات وسببيتها.
( ولا ينبغي ) الاشكال في بطلان الوجه الأول وذلك لا من جهة الدور أو محذوره وهو تقدم الشيء على نفسه ( فان العلم ) بالحكم أو الظن به لا يتوقف على ثبوته التحقيقي ( لان ) معروض هذه الصفات انما هو ذات الشيء بوجوده الزعمي الذهني ولكن لا بما انه يلتفت إلى ذهنيته في قبال الخارج ، بل بما يرى كونه عين الخارج ، كما أن الحكم بحقيقته غير متوقف على علم المجتهد أو ظنه به ، لما ذكرنا من أن حدوث الحكم للذات انما يكون في حال اعتقاد المجتهد به لا مقيدا به ( بل العمدة ) في المحذور بعد الاجماع على عدم خلو الوقايع عن الحكم الشرعي ، هو عدم تصور الاجتهاد في المسألة والفحص عن حكمها ولو بنظر ذي الرأي ( إذ كيف ) يمكن تعلق رأي المجتهد ونظره في حكم المسألة بما لا يكون له في الواقع باعتقاده عين ولا اثر ( واما الوجه الثاني ) فهو وان يسلم من المحذور السابق ، حيث كان المجال لفحص المجتهد عن حكم الواقعة ( الا إنه ) مع كونه خلاف الاجماع وما تواتر عليه الاخبار من أن له سبحانه في كل واقعة حكم يشترك فيه العالم والجاهل ( يلزمه ) اجتماع الظن الفعلي بالحكم واليقين به في زمان واحد ، فإنه باعتبار تعلق ظنه بالواقع