انّه خرج مخرج ما جرت به العادة في البشر من حيث الجملة من تقلب أحوالهم وتصرّف الأمور بهم وحصول التغيير لهم في الأجسام والآراء وغلبة النّفس والهوى على عقولهم لا خصوص الموصي والموصى لانّه (عليهالسلام) هنا في مقام التأديب والموعظة وإرادة المبادرة بها وقصد تعجيلها الى ابنه ومقتضى الحال ان يذكر الدّاعي الى ذلك والمسبب إليه في الواعظ والموعوظ ولا شيء انسب في ذلك مما ذكره ولا ادخل في المقام ممّا زبره ، ولو أنّه قال انا لا اخاف على رأيي نقصا ولا على جسمي وهنا ولا اتخوّف عليك من حدوث أمر يصدك عن الإقبال على حمل الموعظة ولا احاذر عليك من عروض عارض يمنعك من العمل بموجبها لم يكن لموعظته موقع ولم يبق لتعجيلها والمبادرة بها سبب ولا داع فذكر ما ذكر ليحسن منه المسارعة الى الوعظ ويحمد منه التعجيل فيه الى ابنه وليس الغرض بيان انّه يجوز حصول ما خافه على نفسه وعلى ابنه لهما ، واذا كان للكلام فائدة اخرى لم يتعين حمله على احد الفائدتين الّا بقرينة ولا قرينة تعين حمله على ما قاله ابن ابي الحديد بل القرنية تعين حمله على ما قلناه لقيام الادلّة التي سلفت على وجوب عصمة الامام وما قاله امير المؤمنين (عليهالسلام) في تلك الوصية قبيل هذا الكلام وهو قوله (عليهالسلام) : (غير انّي حيث تفرّد بي دون هموم النّاس همّ نفسي فصدقني رأيي وصرفني عن هواي وصرّح لي محض امري فافضى الى جد لا يكون فيه لعب وصدق لا يشوبه كذب) (١) فانه يدل على عصمته من تغيير ما هو عليه من الرأي لقوله فافضى الى جدّ لا يكون فيه لعب الخ. فلما حصلت المعارضة في كلامه وجب حمل احدهما على ما لا يخالف الادلة الخارجيّة للتوفيق بين الكلامين ولا يكون ذلك الا بما قلناه ، على انا نعلم يقينا انّه ليس كلما يفرض الواعظ وقوعه من الموعوظ حتّى يتوجّه له النّهي عنه ممّا يجب أن يكون صدوره من الموعوظ جائزا عند الواعظ ، ولا كلما يفرض
__________________
(١) نهج البلاغة برقم ٣١ كتب.