جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (١) فوقعت خيرته على الافسد وهو يظن انه الاصلح.
وهذا نبينا محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وهو سيد الرسل وافضل الخلق اجمعين قد اختار أبا بكر لتبليغ آيات من سورة براءة الى اهل مكة ويقرؤها في الموسم بناء على صلاحيته لذلك في الظاهر فلم تكن خيرته مطابقة لخيرة الله في باطن الغيب فاتاه جبرائيل (عليهالسلام) عن الله تعالى يقول «لا يبلغ عنك الا انت أو رجل منك» فأعطاها عليا (عليهالسلام) وعزل عنها أبا بكر والقصة مشهورة كالشمس وفيها سر عجيب واشارة لطيفة ليس هنا مقام بيانها ، فإذا كان الكليم والحبيب من اولي العزم من الرسل وناهيك بهما لما اختارا من دون وحي وقعت خيرتهما على غير الأصلح لما اختاراه ولم توافق خيرتهما خيرة الله فكيف يدعي احد من الناس او يدعى له ان رأيه لا يخطئ الواقع وان خيرته من قبل نفسه ملازمة لاصابة خيرة الله حتى يكون الذي ينصبه من تلقاء نفسه وميل قلبه لله رضا وانه مختار الله؟ وأي شيء اعظم فرية على الله واشد كفرا من دعوى أنّ احدا من الناس اسدّ رأيا وأجود إصابة من الأنبياء المرسلين بحيث ان خيرته تلازم اصابة الواقع وتوافق خيرة الله دون الأنبياء من أولي العزم؟ ما اظن احدا من المسلمين عاقلا يسوغ لنفسه ذلك ، ولا يتجاسر على هذه الدعوى ، فإذن خيرة الناس لا يلزم منها إصابة الواقع فليس لهم أن يختاروا إماما لأنا بينا ان شرط صحة الاختيار علم المختار بصلاحيته من اختاره لما اختاره في باطن الأمر عند الله تعالى وقد أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢) فليس للجاهل بما هو صالح عند الله ان يختار عليه ويفرض إمامة من لم يفرض الله
__________________
(١) البقرة : ٥٥.
(٢) الدخان : ٣٢.