الخطاب وابي عبيدة بن الجراح لم يحضرها من المهاجرين غيرهما وحضرها المغيرة بن شعبة وهو اذ ذاك ليس من اهل الشورى عند القوم وجميع اهل الفضل من المهاجرين غير حاضرين لم يشاوروا فيها ولم يناظروا ، والانصار وهم المعتمد في نصرة الاسلام نازعوا فيها وخاصموا فاخرجهم عمر بن الخطاب من الشورى بما روى عن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : (إن الأئمة من قريش) فلم يجعل لهم في الامامة اختيارا وكانوا قد اختاروا سيدهم سعد بن عبادة الخزرجي واقعدوه في سقيفة بني ساعدة ليبايعوه فابطل عمر وصاحباه امرهم بالرواية المذكورة تارة وبغيرها اخرى واخرجوهم من هذا الامر بالمرة ، وحسبك من ذلك قول عمر «كانت بيعة ابي بكر فلتة» (١) يعني بغير مشورة كما قاله تابعوه في معناها ، والا فالكلمة اعظم من ذلك كما يصرح به قوله بعد «وقي الله المسلمين شرها فمن عاد الى مثلها فاقتلوه» والكل مذكور مبين في مواضعه فاين اختيار المسلمين في هذا الامر واين مشاورتهم في هذه البيعة؟ وليس لاحد ان يدعي خلاف ذلك لانه يدخل حينئذ في حيّز العناد البحت والجهل الصرف بما وقع عليه امر بيعة الرجل فلم تكن بيعة ابي بكر واقعة باختيار المسلمين بالقطع واليقين ، وانما هي باختيار عمر وابي عبيدة خاصة ، فان قال قائل : ان اختيار الرجلين المذكورين ماض على جميع المسلمين فليس لهم بعد اختيارهما اختيار قلنا له : أولا هذا رجوع عن القول بالاختيار ومناقض له وعدول الى القول بالاختصاص ولا بد من ابطالك احد المتناقضين ، فأبطل ما شئت منهما تخصم ، ويقال له ثانيا : فيلزمك الحكم بفسق من تخلف من عظماء الصحابة عن بيعة ابي بكر ولم يعتد باختيار الرجلين ولا جعله مؤثرا شيئا حتى الزم قوم منهم بالمبايعة على غير وجه جميل
__________________
(١) روى هذه الفلتة البخاري في صحيحه ٨ / ٢١٠ كتاب المحاربين من اهل الكفر والردة باب رجم الحبلى ص ٨٦.