الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها ، وهم يظنون انها حق ، ولو علموا انها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها ، فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي (عليهالسلام) فازداد البلاء والفتنة (١) الى آخر ما قال من بيان ما فعله معاوية من قتل محبي امير المؤمنين (عليهالسلام) ، وما فعله من بعده في عشيرته من اظهار الفساد بقتل المؤمنين الصادقين ، واكرام الكذابين الوضاعين مما يطول نقله ومثله ، قاله نفطويه ، وبهذا المضمون قال ابو جعفر الاسكافي ،
ويصدق ذلك (٢) ما روى في نهج البلاغة عن امير المؤمنين من تقسيم المحدثين عن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) الى أربعة احدهم ، منافق يكذب على رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لا يتحرّج ولا يتأثم من الكذب عليه (٣) وما سيأتي بعد عن ابي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهالسلام) من ذكره مضمون ما قاله المدائني ونفطويه بالصريح ، فهذه الأخبار التي احتج بها القوشجي وغيره على أفضليته الرجلين على امير المؤمنين هي تلك الأخبار المزورة المختلقة طاعة لمعاوية وطلبا للدنيا وايثارا للعاجلة ما زالت تتداول عند قضاة السوء ، والفقهاء المنافقين ، والقراء المرائين حتى تلقفها حشوية العامة كالبخاري ومسلم وابن مردويه واضرابهم وزبروها في كتب مع امثالها الا ما قل من الأحاديث وسموا تلك الكتب الصحاح ، واقوى دليل على اختلاقها ان جلها ينتهي اسناده الى من تظاهر بعداوة اهل البيت كأبي هريرة وعمرو بن العاص وعروة بن الزبير واشباههم ، وان كل حديث منها
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ١١ / ٤٤ عن كتاب الأحداث للمدائني.
(٢) قوله : «ويصدق ذلك» أي ويصدق ما قاله الاسكافي لأن الاسكافي سابق للشريف الرضي.
(٣) نهج البلاغة الخطبة ٢٠٨.