اذا امتحنها الناظر واجال فكره فيها رأى تحتها فضائل متفرقة ومناقب متفاوتة وذلك انه لما استقر الخبر عند المشركين أن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) مجمع على الخروج من بينهم والهجرة الى غيرهم قصدوا الى معاجلته وتعاقدا على ان يبيتوه في فراشه وان يضربوه باسياف كثيرة بيد كل صاحب قبيلة من قريش سيف منها ليضيع دمه بين الشعوب ويتفرق بين القبائل ولا يطلب بنوا هاشم بدمه قبيلة واحدة بعينها من بطون قريش وتحالفوا على تلك الليلة واجتمعوا عليها فلما علم رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ذلك من أمرهم دعا أوثق الناس عنده وأمثلهم في نفسه وأبذلهم في ذات الله لمهجته واسرعهم اجابة الى طاعته فقال له : (إن قريشا قد تحالفت على أن تبيتني هذه الليلة فامض الى فراشي ونم في مضجعي والتف في بردي الحضرمي ليروا أني لم أخرج واني خارج إن شاء الله تعالى) فمنعه أولا من التحرز واعمال الحيلة وصده عن الاستظهار لنفسه بنوع من انواع المكايد والجهات التي يحتاط بها الناس لنفوسهم والجأه الى ان يعرض نفسه لظبات السيوف الشحيذة من ارباب الحنق والغيظة فاجاب الى ذلك سامعا مطيعا طيبة بها نفسه ونام على فراشه صابرا محتسبا واقيا له بمهجته ينتظر القتل ولا نعلم فوق بذل النفس درجة يلتمسها صابر ولا يبلغها طالب (والجود بالنفس اقصى غاية الجود) ولو لا إن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) علم انه اهل لذلك لما اهله ولو كان عنده نقص في صبره أو في شجاعته أو في مناصحته لابن عمه واختير لذلك لكان من اختاره (صلىاللهعليهوآلهوسلم) منقوصا في رأيه مقصّرا في اختياره ولا يجوز أن يقول هذا احد من اهل الاسلام وكلهم يجمعون على ان الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) عمل بالصواب واحسن في الاختيار ثم في ذلك اذا تأمله المتأمل وجوه من الفضل منها انه وان كان عنده في موضع الثقة فانه غير مأمون عليه ألا يضبط السر فيفسد التدبير بافشائه تلك الليلة الى من يلقيه الى الأعداء ومنها انه وان كان ضابطا للسر ثقة عند من اختاره