انهم يتجهزون فجعل يقول : (أنفذوا بعث اسامة لعن الله من تخلف عنه) ويكرر ذلك الخبر ، (١) ومع هذا الحث الأكيد قد تخلف من تخلف عن البعث المذكور ردّا لنص الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بالرأي فان احدهما تخلف لطلب الخلافة والثاني لمعاونته ولم ينكر عليهما منكر لأن المتمكن من الانكار عليهما في تلك الحال يرى رأيهما ، والمؤمنون وهم اقل قليل مغلوب عليهم ، فاذا كان هذان الرجلان قد تخلفا عن جيش اسامة مخالفة للنبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ولم تمض من المدة ما يحتمل فيه شبهة كنسخ وغيره ، وكل ذلك لغرض الأمرة وطلب الرئاسة فكيف يستنكر منهما ويستبعد مخالفة نص الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) على علي وانكاره ذلك الغرض المذكور؟ مع ان مخالفة النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في الامامة ورد نصه فيها على مذهب الجماعة اهون من رد نصه في الجهاد لأنهم جعلوا الخلافة من الأمور الدنيوية ولم يجعلوها من الفروض الدينية ، والأحكام الشرعية ، الا ترى قول عمر لأبي بكر في السقيفة وامرك رسول الله بالصلاة رضيك رسول الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا (٢) ، فجعل الصلاة من الدين والامامة من امر الدنيا ، ولازم ذلك جعل نص الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فيها كرأي واحد منهم! فكما يجوز مخالفة ذلك الواحد يجوز مخالفة النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) والرجوع الى ما يؤدي إليه الرأي ، واذا كانوا قد خالفوا النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وردوا نصه في الأمور الدينية فأحرى بهم ان يخالفوا النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فيما زعموا انه من الأمور الدنيوية لا من الأوامر الشرعية ، فتبين هنا ان قول بعضهم : ان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لم يوص ولو اوصى ما تأمر ابو بكر
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٦ / ٥٢ كما روى هذا الحديث الشهرستاني في الملل والنحل ١ / ٢١.
(٢) المصدر السابق ٢ / ٢٥ عن المغني لقاضي القضاة.