ويقال : ان أول من حفظ عنه القول بخلق أفاعيل العباد جهم بن صفوان (١) ، فإنه زعم أن ما يكون في العبد من كفر وايمان ومعصية فالله فاعله كما فعل لونه وسمعه وبصره وحياته ، وأنه لا فعل للعبد في شيء من ذلك ولا صنع ، والله تعالى صانعه ، وان لله تعالى أن يعذبه من ذلك على ما يشاء ويثيبه على ما يشاء.
وحكى عنه علماء التوحيد انه كان يقول مع ذلك : ان الله خلق في العبد قوة بها كان فعله ، كما خلق له غذاء يكون به قوام بدنه ، ولا يجعل العبد كيف تصرف (٢) حاله فاعلا لشيء على حقيقته (٣) ، فاستبشع من قوله أهل العدل وأنكروه مع أشياء أخر حكيت عنه.
ولما أحدث جهم القول بخلق أفعال العباد قبل ذلك ضرار بن عمرو (٤) بعد أن كان [ضرار (٥)] يقول بالعدل ، فانتفت عنه المعتزلة واطرحته ، فخلط عند ذلك تخليطا كثيرا ، وقال بمذاهب خالف فيها جميع أهل العلم وخرج عما كان عليه وأصل بن عطاء (٦) وعمرو بن عبيد (٧) بعد ما كان يعتقد فيهما من العلم وصحة الرأي
__________________
(١) أبو محرز جهم بن صفوان السمرقندي ، رأس الجهمية ، وقد زرع شرا عظيما ، كان يقضى في عسكر الحارث بن سريج الخارج على أمراء خراسان ، فقبض عليه نصر بن سيار وأمر بقتله فقتل سنة ١٢٨ ه (الاعلام للزركلى: ٢ / ١٣٨).
(٢) في مط : يصرف.
(٣) في مط : على حقيقة.
(٤) ضرار بن عمرو القاضي ، معتزلي جلد ، له مقالات خبيثة. قال أحمد بن حنبل : شهدت على ضرار عند سعيد بن عبد الرحمن القاضي فأمر بضرب عنقه فهرب (ميزان الاعتدال ٢ / ٣٢٨).
(٥) الزيادة من أ.
(٦) واصل بن عطاء البصري الغزال المتكلم ، كان يلثغ بالراء فلبلاغته هجر الراء وتجنبها في خطابه ، وكان يتوقف في عدالة أهل الجمل ويقول : إحدى الطائفتين فسقت لا بعينها ، فلو شهدت عندي عائشة وعلى وطلحة على باقة بقل لم بقل لم احكم بشهادتهم. ولد سنة ٨٠ بالمدينة ومات سنة ١٣١ ه (ميزان الاعتدال : ٤ / ٣٢٩).
(٧) أبو عثمان عمرو بن عبيد بن باب التيمي البصري ، شيخ المعتزلة في عصره ومفتيها كان جده من سبى فارس وأبوه نساجا ثم شرطيا للحجاج في البصرة ، وقال يحيى بن معين : كان من الدهرية الذين يقولون انما الناس مثل الزرع ، ولد سنة ٨٠ وتوفى سنة ١٤٤ ه (الاعلام للزركلى : ٥ / ٢٥٢).