وأيضا فإن أفعالهم التي هي محكمة [منها (١)] ما هو طاعة وخضوع وفاعل الطاعة مطيع ، وفاعل الخضوع خاضع ، فلما يجز أن يكون الله مطيعا ولا خاضعا علمنا أنه لا يفعل الطاعة ولا الخضوع.
وأيضا فإن الله لا يجوز أن يعذب العباد على فعله ، ولا يعاقبهم على صنعه ، ولا يأمرهم بأن يفعلوا [ما (٢)] خلقه ، فلما عذبهم على الكفر ، وعاقبهم على الظلم ، وأمرهم بأن يفعلوا الايمان ، علمنا أن الكفر والظلم والايمان ليست من فعل الله ولا من صنعه.
ومما يبين ما قلنا : أنه لا يجوز أن يعذب العباد على طولهم وقصرهم وألوانهم وصورهم ، لان هذه الأمور فعله وخلقه فيهم ، فلو كان الكفر والفجور فعل الله لم يجز أن يعذبهم على ذلك ولا ينهاهم [عنه (٣)] ولا يأمرهم بخلافه ، فلما أمر الله العباد بالايمان ونهاهم عن الكفر ولم يجز أن يأمرهم بأن يفعلوا طولهم وقصرهم وألوانهم وصورهم علمنا أن هذه الأمور فعل الله، وأن الطاعة والمعصية والايمان والكفر فعل العباد.
وأيضا فلو جاز أن يفعل العبد فعل ربه ، وان يكسب خلق إلهه كما قال مخالفونا ان العباد فعلوا فعل ربهم لجاز أن يكون كلامهم كلام الله ، فيكون كلام العبد كلام ربه كما كان كسب العبد (٤) فعل خالقه ، فلما لم يجز أن يكون كلام العبد كلام خالقه لم يجز أن يكون فعل إلهه ، ولا كسب العبد صنع خالقه ، فثبت أن أفعال العباد غير فعل رب العالمين.
__________________
(١) الزيادة من مط.
(٢) الزيادة من مط.
(٣) الزيادة من أ.
(٤) في مط : كما أن كسب العباد.