وقد علمنا خلاف ذلك ، وأن السلامة أو المحن في الجميع متقاربة غير متفاوتة.
فقال : ربما اتفق مثل ذلك.
فقلت له : فيجب أن نصدق من خبرنا في ذلك الطريق المسلوك الذي فرضناه ، بأن سلامة العميان كسلامة البصراء ، ونقول : لعل ذلك اتفق وبعد ، فان الاتفاق لا يستمر بل ينقطع. وهذا الذي ذكرناه مستمر غير منقطع. فلم يكن عنده عذر صحيح.
ومما يفسد مذهب المنجمين ، ويدل على [أن](١) ما لعله يتفق لهم من الإصابة على غير أصل ، أنا قد شاهدنا جماعة من الزراقين الذين لا يعرفون شيئا من علم النجوم ولا نظروا قط في شيء منه ، يصيبون فيما يحكمون به إصابات مستطرفة.
وقد كان المعروف ب «الشعراني» الذي شاهدناه ، وهو لا يحسن أن يأخذ الأسطرلاب للطالع ، ولا نظر قط في زيج ولا تقويم ، غير أنه زكي (٢) حاضر الجواب ، فطن بالزرق معروف به كثير الإصابة وبلوغ الغاية فيما يخرجه من الاسرار.
ولقد اجتمع يوما بين يدي جماعة كانوا عندي ، وكنا قد اعتزمنا جهة نقصدها لبعض الأغراض ، فسأله أحدنا عما نحن بصدده ، فابتدأه من غير أخذ طالع ولا نظر في تقويم ، فأخبرنا بالجهة التي أردنا قصدها ، ثم عدل الى كل واحد من الجماعة ، فأخبره عن كثير من تفصيل أمره وأغراضه.
حتى قال لأحدهم : وأنت من بين الجماعة قد وعدك واعد بشيء يوصله إليك ، وقلبك به متعلق ، وفي كمك شيء مما يدل على هذا ، وقد انقضت حاجتك وانتجزت ، وجذب يده الى كمه فاستخرج ما فيه ، فاستحيى ذلك الرجل ووجم
__________________
(١) الزيادة من البحار.
(٢) كذا في النسخة والبحار ، والظاهر : ذكى.