بمعرفة الله ومعرفة من يجب العلم به لا يكون الا كفرا.
وقد بينا في كتابنا الموسوم ب «الذخيرة» كيف الطريق الى كفر من ضيع المعارف كلها ، وسلكنا فيها غير الطرق التي سلكها المعتزلة.
فإذا ثبت كفر من ضيع المعارف ، فلا شبهة في أنه فاسق ، لان كل كفر فسق وان لم يكن كل فسق كفرا.
فأما العمل بالعبادات الشرعية ، فليس يجوز أن يكلفها الا من يصح منه أن يأتي بها على الوجه الذي وجب عليه.
وقد علمنا أن من قلد فاعتقد الحق تقليدا من غير نظر يفضي به الى المعرفة ، قد فرط فيما وجب عليه من المعرفة ، وعري من العلم لتفريطه فيه ، فهو ملزم معاقب على تضييعه وتفريطه ، وهو مخاطب بهذه العبادات في ابتداء الوقت الذي لو نظر وعرف ما يلزمه من المعارف ، كان فيه عالما بوجوب هذه العبادات عليه وصح منه أداؤها على الوجه الذي وجبت.
فأما مثل هذا الوقت الذي (١) .. فإنه لا يجوز أن يلزمه فيه عبادة شرعية ، لأنها لا يصح منه قبل المعرفة بوجوبها الا لمعرفته (٢).
والقول في مهلة النظر مثل هذا بعينه ، لان الزمان الذي لا يجوز أن يقع المعارف الا بعد تقضيه ، ولا يمكن أن يتقدم عليه هو المسمى مهلة النظر ، وهذا زمان لا يمكن قبل انقضائه أن يعرف وجوب شيء من العبادات ، فكيف يلزمه أن يفعل ما لا يصح أن يعلم وجوبه عليه.
فأما من أهمل النظر وفرط فيه حتى انقضى الزمان المضروب لمهلة النظر ، فان العبادات تلزمه ، لانه لو شاء أن ينظر في الزمان المضروب لمهلة النظر لنظر
__________________
(١) بياض في النسخة والظاهر أنه : لا يمكنه المعرفة فيه.
(٢) ظ : المعرفة.