وعرف ما يجب عليه معرفته ، وعلم وجوب هذه العبادات عليه وأمكنه أن يفعلها على الوجه الذي وجبت عليه. فإذا ضيع ذلك كان ملوما معاقبا ..
فان قيل : كيف تقولون فيمن أهمل النظر في معرفة الله تعالى وضيعها وتقضى زمان مهلة النظر وأضعافه؟ أهو مكلف وحاله هذه لان يفعل العبادات؟.
فان قلتم : انه مكلف ، فهو مكلف لما لا يطاق ، لانه لا يعلم في هذه الحال وجوبها عليه ، ولا يتمكن أيضا من العلم بذلك ، لحاجة هذا العلم الى علوم كثيرة يتقدم عليه تضيق هذا الزمان عنها. وان قلتم : انه غير مكلف تركتم مذهبكم في أن الكفار كلهم يخاطبون بالشرعيات.
قلنا : ان كان ذلك الزمان الذي سئلنا عن تكليفه الشرعيات فيه زمانا يتمكن قبل حلوله من العلم بوجوب هذه الشرعيات عليه ، فهو مخاطب بفعلها وان كان يضيق عن ذلك ، لتفريطه وإهماله الى أن انتهى اليه.
فانا نقول : كان مخاطبا بفعل هذه الشرعيات في هذا الزمان ، فأضاع ما كلفه ، فهو مذموم معاقب على إخلاله بهذه الشرعيات ، لأنها كانت واجبة عليه قبل هذا الزمان ، وهو الان مخاطب منها (١) بما يتمكن من العلم بوجوبه. فان علم وفعل فقد قام بالواجب ، وان فرط أيضا كان القول فيه ما تقدم ذكره ..
وأما وجوب القضاء عليه متى عرف الله تعالى ووجوب الشرعيات ، فإنه غير واجب عليه القضاء ولا سقوط بسقوطه ، لانفصال كل واحدة من هاتين العبادتين عن الأخرى ، لأن في العبادات ما لا يجب أداؤه ويجب قضاؤه ، كصوم الحائض.
وهذه المسألة قد أحكمناها واستقصيناها في مسائل أصول الفقه ، حيث دللنا على أن الكفار مخاطبون بالشرعيات.
__________________
(١) في الهامش : بها.