وهذا الكلام من الإمام يأتى على جميع ما تقدّم من كلام المشايخ. ومتعلّقه ستة أشياء لا يستحق العبد اسم الزّهد حتّى يزهد فيها ، وهى : المال ، والصّورة (١) ، والرّئاسة ، والناس ، والنفس ، وكلّ ما دون الله تعالى. وليس المراد رفضها من الملك ؛ فقد كان سليمان وداود ـ عليهماالسلام ـ أزهدى أهل زمانهما ، ولهما من المال والنّساء والملك ما لهما. وكان نبيّنا صلىاللهعليهوسلم أزهد البشر على الإطلاق ، وكان له تسع نسوة. وكان عثمان وعلى وزبير وابن عوف من الزّهّاد ، مع ما لهم من الأموال ، وكذلك الحسن بن على. ثم من السّلف عبد الله بن المبارك ، والليث بن سعد ، وسفيان ، كانوا من الزّهّاد مع مال كثير.
ومن أحسن ما قيل فى الزهد كلام الحسن : ليس الزّهد فى الدنيا بتحريم الحلال ، وإضاعة المال ، ولكن أن تكون بما فى يد الله أوثق منك بما فى يدك ، وأن تكون فى ثواب المصيبة إذا أصبت بها ، أرغب منك فيها لو لم تصبك.
وقد اختلف الناس فى الزهد ، هل هو ممكن فى هذه الأزمنة أم (٢) لا؟ فقال ابن (٣) حفص : الزهد لا يكون إلّا فى الحلال ، ولا حلال فى الدّنيا. وخالفه النّاس ، وقالوا : الحلال موجود ، والحرام كثير. وعلى تقدير ألّا يكون فيها الحلال يكون هذا أدعى إلى الزهد فيها ، وتناوله منها يكون كتناول المضطر للميتة والدّم ولحم الخنزير.
__________________
(١) كأنه يريد بالصورة خلقه وحسنه ، أو هى المظهر فى كل شىء
(٢) كذا ، والأولى : «أو»
(٣) فى الرسالة ٧٣ : «أبو حفص»