ومحاربة للنّفس ، ولا سيّما مع أسباب تقوى معها داعية الموافقة ؛ فإنّه كان شابّا ، وداعية الشابّ إليها قوّته ؛ وكان عزبا (١) ليس له ما يعوّضه ويردّ شهوته ؛ وغريبا ، والغريب لا يستحى فى بلد غربته ممّا يستحى منه بين أصحابه وأهله ؛ ويحسبونه مملوكا ، والمملوك ليس وازعه كوازع الحرّ ؛ والمرأة جميلة وذات منصب ، وقد غاب الرّقيب ، وهى الدّاعية له إلى نفسها ، والحريصة على ذلك أشدّ الحرص ، ومع ذلك توعّدته بالسجن إن لم يفعل. فمع هذه الدّواعى كلّها صبر اختيارا ، وإيثارا لما عند الله. وأين هذا من صبره فى الجبّ على ما ليس من كسبه؟!
والصّبر على أداء الطّاعات أكمل من الصّبر على اجتناب المحرّمات ؛ فإنّ مصلحة فعل الطّاعة أحبّ إلى الشّارع من مصلحة ترك المعصية ، ومفسدة عدم الطاعة أبغض وأكره من مفسدة وجود المعصية.
ثمّ الصّبر ينقسم بنوع آخر من القسمة على ثلاثة أنواع : صبر بالله ، وصبر لله ، وصبر مع الله.
فالأوّل : الاستعانة به ، ورؤية أنّه هو المصبّر ، وأنّ صبر العبد بربّه لا بنفسه ، كما قال تعالى : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ)(٢) ، يعنى إن لم يصبّرك هو لم تصبر.
__________________
(١) ب : «عزما» وهو تصحيف.
(٢) الآية ١٢٧ سورة النحل.