والثّانى : أن يكون الباعث على الصّبر محبّة الله وإرادة وجهه ، والتقرّب إليه ، لا إظهار قوّة النفس ، والاستحماد إلى الخلق ، وغير ذلك من الأغراض.
والثالث : دوران العبد الذى (منى (١) مع) الأحكام الدينيّة صابرا نفسه معها ، سائرا بسيرها ، مقيما بإقامتها ، يتوجّه معها أينما توجّهت ركائبها ، وينزل معها حيث استقلّت مضاربها. فهذا معنى كونه صابرا مع الله ، قد جعل نفسه وقفا على أوامره ومحابّه. وهو أشدّ أنواع الصّبر وأصعبها. وهو صبر الصدّيقين.
قال ذو النّون : الصبر (٢) : التباعد من المخالفات ، والسّكون عند تجرّع غصص البليّات ، وإظهار الغنى مع طول (٣) الفقر بساحات المعيشة. وقيل : الصبر : الوقوف مع البلاء بحسن الأدب. وقيل : هو الفناء فى البلوى ، بلا ظهور شكوى. وقيل : إلزام النّفس الهجوم على المكاره. وقيل : المقام (٤) مع البلاء بحسن الصّحبة كالمقام مع العافية.
وقال عمرو بن عثمان : هو الثبات مع الله ، وتلقّى بلائه بالرّحب والسّعة (٥). وقال الخوّاص : هو الثبات على أحكام الكتاب والسنة
__________________
(١) فى الأصلين : «منه وضع» ولم يظهر المعنى معها. والظاهر أن هذا تحريف عما أثبت و (منى) : ابتلى واختبر.
(٢) انظر الرسالة ١١٠.
(٣) فى الرسالة : «حلول».
(٤) فى الأصلين : «المقامة» وما أثبت من الرسالة ١١٠.
(٥) كذا فى الأصلين. وفى الرسالة : «الدعة» وهو انسب.