وفى الجملة ، منزلة الصّدق من أعظم منازل القوم ، الذى نشأ منه جميع منازل السّالكين. وهو الطريق الأقوم الّذى من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين. وبه تميّز أهل النفاق من أهل الإيمان ، وسكان الجنان من أهل النيران. وهو سيف الله فى أرضه الذى ما وضع على شىء إلّا قطعه. ولا واجه باطلا إلّا أزاله وصرعه. فهو روح الأعمال ، ومحلّ الأحوال ، والحامل على اقتحام الأهوال ، والباب الذى دخل منه الواصلون إلى حضرة ذى الجلال.
وقد أمر الله سبحانه أهل الإيمان أن يكونوا مع الصّادقين ، وخصّص المنعم عليهم بالنّبيّين والصّدّيقين والشهداء والصّالحين ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)(١) ، وقال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ)(٢) ، فهم أهل الرّفيق الأعلى ، / (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ،) ولا يزال الله يمدّهم بنعمه وألطافه ، ويزيد إحسانا منه وتوفيقا ، ولهم مزيّة المعيّة مع الله ، فإن (٣) الله تعالى مع الصّادقين. ولهم منزلة القرب منه ؛ إذ درجتهم منه ثانى (٤) درجة النبيّين ، وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم : من الإيمان ، والإسلام ، والصّدقة ، والصّبر ، [و] بأنّهم أهل الصّدق فقال :
__________________
(١) الآية ١١٩ سورة التوبة.
(٢) الآية ٦٩ سورة النساء.
(٣) فى الأصلين : «قال».
(٤) كذا : والأولى «ثانية».