وقد تنوّعت كلمات السّادة فى حقيقة الصّدق. فقال عبد الواحد ابن زيد رحمهالله : الصّدق الوفاء لله بالعمل. وقيل : موافقة السرّ النطق وقيل : استواء السرّ والعلانية ، يعنى أنّ الكاذب علانيته خير من سريرته ، كالمنافق الذى ظاهره خير من باطنه. وقيل : الصّدق : القول بالحقّ فى مواطن الهلكة. وقيل : كلمة الحقّ عند من يخافه ويرجوه.
وقال الجنيد : الصادق يتقلّب فى اليوم أربعين مرّة ، والمرائى يثبت على حالة واحدة أربعين سنة. وذلك لأنّ العارضات والواردات التى ترد على الصّادق لا ترد على الكذّاب المرائى ، بل فارغ منهما لا يعارضه الشّيطان كما يعارض الصّادق ، وهذه الواردات توجب تقلّب قلب الصّادق بحسب اختلافها وتنوّعها ، فلا تراه إلّا هاربا من مكان إلى مكان ، ومن عمل إلى عمل. ومن حال إلى حال ؛ لأنّه يخاف فى كلّ ما يطمئنّ إليه أن يقطعه عن مطلوبه.
وقال بعضهم : لم يشمّ روائح الصّدق من داهن نفسه أو غيره.
وقال بعضهم : الصّادق : الّذى يتهيّأ له أن يموت ولا يستحى من سرّه لو كشف. قال تعالى : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(١).
وقال إبراهيم الخوّاص : الصّادق لا يرى إلّا فى فرض يؤدّيه ، أو فضل يعمل فيه.
__________________
(١) الآية ٩٤ سورة البقرة.