كلامه تصورت الملائكة لهن في صورة مفزعة يصدونهن عنه فيرجعن مذعورات فزعات.
ثم إن وهب بن عبد مناف لما رأى عظم أمره وجلالة قدره اجتهد في تزويجه آمنة ابنته وراسل في ذلك عبد المطلب رضوان الله عليه فزوجه بها ونقل الله تعالى نور نبيه إليها فحملت به في ليلة الجمعة لتسع خلون من ذي الحجة ليلة عرفة وقيل بل في أيام التشريق (١) وذلك بمنى عند الجمرة الوسطى وكانت منزل عبد الله بن عبد المطلب.
فروي عنها من الآيات التي شاهدتها ليلة حملها به وعند ولادتها ما يطول ذكره.
فكان مما قالت إنه أتاني المخاض وأنا وحدي فلما وضعته صلى الله عليه وآله وسلم رأيته ساجدا قد رفع إصبعه إلى السماء كالمبتهل المتضرع ثم غشتني سحابة غيبته عن عيني وسمعت منها كلاما ثم أعيد إلي وهو مدرج في ثوب صوف أشد بياضا من الثلج وتحته حريرة خضراء وولد صلى الله عليه وآله وسلم طاهرا مطهرا.
فكان من دلائل ولادته خمود نيران المجوس وتزعزع أسرة الملوك وكلام كثير من الدواب وسقوط الأوثان عن البيت الحرام.
وروي عن عبد المطلب أنه قال :
كنت في تلك الليلة في البيت الحرام أرم منه شيئا فلما انتصف الليل رأيته قد أهوى من جميع جوانبه مائلا كالساجد إلى ناحية المقام ثم استوى قائما وسمعت منه تكبيرا عجبا يقول الله أكبر رب محمد المصطفى الآن قد طهرني ربي من أنجاس المشركين وأرجاس الجاهلية فحرت من ذلك حتى ظننت أني نائم.
ثم إن عبد المطلب أتى آمنة رضوان الله عليها فسألها عن حالها فأخبرته بولادتها والآيات التي رأتها فقال لها أريني الولد فقالت لا سبيل لأحد إلى
_________________
(١) هي ثلاثة أيّام يبتدئ أولها ثاني يوم النحر وآخرها اليوم الثالث عشر من ذي الحجة إلى العصر.