وبيان ذلك أنهم إذا سمعوا القرآن الوارد على يده الذي قد جعله علما على صدقه ورأوا قصور العرب عن معارضته وعجزهم عن الإتيان بمثله قالوا إنه كان قد فاق بجميع البلغاء في البلاغة وزاد على سائر الفصحاء في الفصاحة قصر عن مساواته في ذلك الناس كافة ففضلوه بهذا على الخلق أجمعين وقدموه على العالمين.
فإذا تأملوا ما في القرآن من أخبار الماضين والذاكرين وأعاجيب السالفين وذكر شرائع الأنبياء المتقدمين قالوا قد كان أعرف عباد الله بأخبار الناس وأعلمهم بجميع ما حدث وكان في سالف الأزمان قد أحاط بنبإ الغابرين وحفظ جميع علوم الماضين ففضلوه بهذه الرتبة على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين.
فإذا رأوا ما تضمنه القرآن من عجيب الفقه والدين وبدائع عبادات المكلفين وترتيب الفرائض وانتظامها وحدود الشريعة وأحكامها قالوا قد كان أحكم أهل زمانه وأفضلهم وأبصرهم بأنواع الحكم وأعلمهم ولم يكن خلق في ذلك يساويه ولا بشر يدانيه ففضلوه بذلك أيضا على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين.
فإذا علموا ما في القرآن من الإخبار بالغائبات وتقديم الإعلام بمستقبل الكائنات وسمعوا ما تواترت به الأخبار من إنبائه لكثير من الناس بما في نفوسهم وإظهاره في الأوقات لمغيب مستورهم قالوا قد كان أعرف الناس بأحكام النجوم وأبصرهم بما تدل عليه في مستأنف الأمور وإن لم يظهر معرفته بها لأمته ونهاهم عن الاطلاع فيها لينتظم له حال نبوته وأنه كان معولا عليها مستندا في أموره إليها قوله لا يخرم وإخباره بالشيء لا يختلف يعلم الحوادث والضمائر ويطلع على الخبايا والسرائر ولا يخفى عليه أوقات المساعد ... (١) ولم يكن أحد يعثره (٢) في ذلك ففضلوه بهذا أيضا على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين.
_________________
(١) هنا كلمة غير واضحة.
(٢) هكذا في النسخة وهي غير واضحة المعنى.