صاروا يبذلون أنفسهم دون نفسه ويسلمون لقوله ويأتمون لأمره من غير أن كان له ملك خافوه ولا مال أملوه تفتح له البلاد وأذعن له ملوك العباد ونفذ أمره في الأنفس والأموال والحلائل والأولاد.
قالوا إنما تم له ذلك لأنه فاق العالمين بكمال عقله وحسن تدبيره ورأيه ولم يكن ذلك في أحد غيره ففضلوه بهذا أيضا على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين.
فإذا سمعوا المشتهر من عدله ونصفته وحسن سيرته في أمته ورعيته وأنه كان لا يكلف أحدا شيئا في ماله وإذا حصلت المغانم فرقها في أمته وقنع في عيشه بدون كفايته هذا مع سخاوته وكرمه وإيثاره على نفسه ووفائه بوعده وصدق لهجته واشتهاره منذ كان بأمانته وشريف طريقته وحسن عفوه ومسامحته وجميل صبره وحلمه قالوا كان أزهد الناس وأعلاهم قدرا في العدل والإنصاف ولا طريق إلى إنكار إحاطته بالفضائل الكرام والمناقب العظام ففضلوه في جميع هذه الأمور على الخلق أجمعين وأوجبوا له التقدم على العالمين.
فإذا قيل لهم فهذه العلوم العظيمة متى أدركها وفي أي زمان جمعها وتلقطها وأي قلب يعيها ويحفظها وهل رأى بشر قط من يحيط بجميع الفضائل ويتقدم العالمين كافة في جميع المناقب ويكون أوحد الخلق في كمال العقل والتمييز وثاقب الرأي والتدبير مع نزاهة النفس وصفائها (١) وجلالها وشرفها وزهدها وفضلها وجودها وبذلها.
قالوا كانت له سعادات فلكية وعطايا نجومية فاق بها على جميع البرية.
قيل لهم فمن يكون بهذا الوصف العظيم والمحل الجليل كيف يستجيز عاقل مخالفته أو يسوغ له مباينته وبمن يقتدى أفضل منه ومتى يكون مصيبا في الانصراف عنه.
_________________
(١) في النسخة وصلفها.