إذا سد مسده وناب منابه وقابله في قدره وماثله في وزنه.
وقد علمنا أنه ليس شيء من أفعال الخلق تسد مسد نعم الله عليهم لاستحالة الوصف لله تعالى بالانتفاع أو تعلق الحوائج به إلى المجازاة وفساد مقال من زعم أن الخلق يحيطون علما بغاية الإنعام من الله تعالى عليه والإفضال فيتمكنون من مقابلتها بالشكر على الاستيفاء للواجب والإتمام. فيعلم بهذا تقصير العباد من مكافاة نعم الله تعالى عليهم ولو بذلوا في الشكر والطاعات غاية المستطاع وحصل ثوابهم في الآخرة تفضلا من الله تعالى عليهم وإحسانا إليهم.
وإنما سميناه استحقاقا في بعض الكلام لأنه وعد به على الطاعات وهو الموجب له على نفسه بصادق وعده وإن لم يتناول شرط الاستحقاق على الأعمال.
وهذا خلاف ما ذهب إليه المعتزلة إلا أبا القاسم البلخي (١) فإنه يوافق في هذا المقال وقد تناصرت به مع قيام الأدلة العقلية عليه الأخبار. (٢)
أخبرني شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي رضوان الله عليه إجازة قال أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن داود بن كثير عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليهم السلام قال قال رسول الله (ص) :
_________________
(١) في النسخة إلّا أبو والصحيح أبا لأنّه استثناء من موجب
(٢) اتفق أهل العدل على أن المؤمن الذي عمل عملا صالحا يدخل الجنة خالدا فيها ، واختلفوا في أن هذا الثواب هل هو على جهة الاستحقاق والمعاوضة بينه وبين العمل أم تفضل من المولى تعالى قال أكثر المعتزلة بالأول اعتمادا على قبح الثواب مع عدم الاستحقاق ولأن التكليف حينئذ لغو ، وذهب البلخيّ والمعتزلة والمفيد وجماعة من الإمامة إلى الثاني عملا بطبيعة المولى والعبد إذ لا يجب على المولى بإزاء العبد بشيء إذا أطاعه ، ولأنّه يكفى في صحة التكليف وحسنه عقلا سبق المنعم على المكلف المستتبعة لوجوب شكر المنعم بالطاعة ، وللإخبار المؤيدة لحكم العقل ، التي ذكر المؤلّف بعضا منها.