فقلت له أبن لنا من أين علمت أنه يوجب ذلك وتقتضيه ليسع الكلام معك فيه؟
فقال هذا هو معنى البداء والتعارف يقضي بيننا ولسنا نشك أن البداء هو الظهور ولا يبدو للأمر إلا لظهور شيء تجدد من علم أو ظن لم يكن معه من قبل.
وبيان ذلك أن طبيبا لو وصف لعليل أن يشرب في وقته شراب الورد حتى إذا أخذ العليل القدح بيده ليشرب ما أمره به قال له الطبيب في الحال صبه ولا تشربه وعليك بشرب النيلوفر بدله فلسنا نشك في أن الطبيب قد استدرك الأمر وظهر له من حال العليل ما لم يكن عالما به من قبل فغير عليه الأمر لما تجدد له من العلم ولو لا ذلك لم يكن معنى لهذا الخلاف.
فقلت له هذا مما في الشاهد وهو من البداء فيجوز عندك أن يكون في البداء قسم غير هذا فقال لا أعلم في الشاهد غير هذا القسم ولا أرى أنه يجوز في البداء قسم غيره ولا يعلم.
فقلت له ما تقول في رجل له عبد أراد أن يختبر حاله وطاعته من معصيته ونشاطه من كسله فقال له في يوم شديد البرد سر لوقتك هذا إلى مدينة كذا لتقبض مالا لي بها فأحسن العبد لسيده الطاعة وقدم المبادرة ولم يحتج بحجة فلما رأى سيده مسارعته وعرف شهامته ونهضته شكره على ذلك وقال له أقم على حالك فقد عرفت أنك موضع للصنيعة وأهل للتعويل عليك في الأمور العظيمة أيجوز عندك هذا وإن جاز فهل هذا داخل في البداء أم لا؟
فقال هذا مستعمل ورأينا في الشاهد وقد بدا فيه للسيد وليس هو قسما ثانيا بل هو بعينه الأول هو الذي لا يجوز على الله عزوجل.
فقلت له لم جعلت الجمع بينهما من حيث ذكرت أولى من التفرقة بينهما من حيث كان أحدهما مريدا لإتمام قبل أن يبدو له فيه فينهى عنه وهو