الملوك ولا يبقى لأحد دولة سواه ويجعل الدين كله لله فكان الخوف المتوجه إليه بحسب ما يعتقد من ذلك فيه وتطلعت نفوس الأعداء إليه وتتبعت الملوك أخباره الدالة عليه ولم ينسب إلى أحد من آبائه شيء من هذه الأحوال فهذا فرق واضح بين المخافتين.
ثم نقول بعد ذلك إن من اطلع في الأخبار وسبر السير والآثار علم أن مخافة صاحبنا عليهم السلام كانت منذ وقت مخافة أبيه صلى الله عليه وآله وسلم بل كان الخوف عليه قبل ذلك في حال حمله وولادته ومن ذا الذي خفي عليه من أهل العلم ما فعله سلطان ذلك الزمان مع أبيه وتتبعه لأخباره وطرحه العيون عليه انتظارا لما يكون من أمره وخوفا مما روت الشيعة أنه يكون من نسله إلى أن أخفى الله تعالى الحمل بالإمام عليهم السلام وستر أبوه صلى الله عليه وآله وسلم ولادته إلا عمن اختصه من الناس ثم كان بعد موت أبيه وخروجه للصلاة ومضى عمه جعفر (١) ساعيا إلى المعتمد (٢) ما كان حتى هجم على داره وأخذ ما كان بها من أثاثه ورحله واعتقل جميع نسائه وأهله وسأل أمه عنه فلم تعترف به وأودعها عند قاضي الوقت المعروف بابن أبي الشوارب (٣) ولم يزل الميراث معزولا سنتين ثم ما كان بعد ذلك من الأمور المشهورة التي يعرفها من اطلع في الأخبار المأثورة. وهذه كلها من أسباب المخاوف التي نشأت بنشوء الرجل الخائف ثم بترادف الزمان لعظم ذكره على لسان المؤالف والمخالف.
ومع ذلك فإن النصوص قد نطقت بذكر مخافته كما تضمنت نعت استتاره وغيبته منها ما هو مجمل ومنها ما هو مفصل.
فروي عن أمير المؤمنين عليهم السلام أنه ذكر المهدي صلى الله عليه وآله وسلم فقال :
_________________
(١) هو جعفر بن الإمام علي الهادي المعروف عند الشيعة بجعفر الكذاب ادّعى الإمامة ثمّ بطل أمره.
(٢) هو الخليفة المعتمد على اللّه من ملوك بني العباس.
(٣) هو أحمد بن محمّد بن عبد اللّه الأموي قاضي بغداد من عهد المتوكل إلى زمن المقتدر توفّي سنة ٣٠٧ ه.