يتهمان في الابن ، والولد يتهم في والديه ، ولا يكون من بعض إلى بعض خيانة في الغالب ؛ لأن يعقوب نهى ولده يوسف أن يقصها على إخوته ، وأخبر أنهم إذا علموا بذلك كادوه وحسدوه ، ولم ينهه بمثله في أمه ؛ دل أن الأخ لا يتهم في شهادة أخيه ، ويتهم الأب والأم في شهادتهما لولدهما ، وكذلك الولد يتهم في والديه ، ولهذا قال أصحابنا : إن شهادة الوالد لولده لا تقبل ، وكذلك شهادة الولد لوالديه ، وأما شهادة الأخ لأخيه تقبل وإنما كان كذلك ؛ لما ينتفع الولد بمال والديه ، والوالد بمال ولده ، ولا ينتفع الأخ بمال أخيه ، وكل من انتفع بمال آخر اتهم في شهادته له ، ولم تقبل شهادته ، وكل من لم ينتفع به قبلت ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
ظاهر العداوة.
وقال موسى حين قتل ذلك الرجل : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [القصص : ١٥] بدء كل شر يكون من الشيطان ، يقذف في القلوب ، ويخطر في الصدور ، ثم تكون العزيمة على ذلك والفعل من العبد ، وهو ما قال : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) [الأعراف : ٢٠٠] ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ ...) الآية [الأعراف : ٢٠١].
والطيف والنزغ : هو القذف والوسوسة ، فإذا ذكر الله ذهب.
وقيل : الكيد والمكر سواء ، وهو قول أبي عوسجة.
وقال القتبي (١) : الكيد : هو الاحتيال والاغتيال (٢).
وقيل : الكيد : هو أن يطلب إيصال الشر (٣) به على غير علم منه ؛ وكذلك المكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ).
تأويله ـ والله أعلم ـ أي : كما اجتبى ربك أبويك بالرسالة والنبوة ، واصطفاهم بأنواع الخيرات ، وأتم نعمته [عليهم ، كذلك ليجتبيك ربك ويتم نعمته](٤) عليك وعلى آل يعقوب.
__________________
ـ إظهار النعمة عند من يخشى غائلته حسدا ، وفيها أيضا : دليل على معرفة يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ بتأويل الرؤيا ؛ فإنه علم من تأويلها : أنه سيظهر عليهم.
ينظر : اللباب (١١ / ١١٤).
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢١٢).
(٢) ذكره بمعناه البغوي (٢ / ٤٠٩) ، وكذا أبو حيان (٥ / ٢٨١).
(٣) في أ : شر.
(٤) سقط في أ.