كقوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ...) الآية [الأنفال : ٣٠] ، ليس على العزيمة على واحد ، ولكن على المشورة فيما بينهم ، يدل على ذلك قوله : (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) أنهم أرادوا أن يخلو وجه أبيهم لهم ، لا قتله ، إنما أرادوا غيبته عنه.
وقال بعضهم : (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ).
أى : يقبل عليكم أبوكم بوجهه.
وقال بعضهم : أي : يفرغ لكم من الشغل بيوسف (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ).
يحتمل : (صالِحِينَ) ، أي : تائبين.
وقال بعضهم : تكونوا صالحين عند أبيكم من بعده (٢).
وقال بعضهم : يصلح أمركم وحالكم عند أبيكم بعد ذهاب يوسف (٣).
وجائز أن تكونوا قوما صالحين في الآخرة ، وقالوا : إنهم تابوا قبل أن يزلوا ويعصوا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ).
قال أبو عوسجة : يعني : في قعر البئر ، والغيابة : ما يغيبه ويواريه ، والجب : البئر ، والجباب جمع.
وقال أبو عبيدة (٤) : الغيابة : كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ).
أي : يرفعه بعض السيارة ؛ ولذلك يقال للطائر : يلتقط الحبّ ، ويلقط : أي : يرفع.
(إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) : إن كنتم لا بد فاعلين أن تغيبوه عنه.
وأما قول أهل التأويل إن قوله : (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) قاله فلان أو فلان ، فذلك مما لا نعرفه ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، والله أعلم.
وقال أبو عوسجة (٥) : السيارة أصلها من السير ، هو مثل المسافر ، وهي القافلة ؛ يعني : العير.
وقيل : الجب : الركية التي لم تطو بالحجارة ، فإذا طويت فليس بجب (٦).
__________________
(١) ذكره ابن جرير (٧ / ١٥٢) والبغوي (٢ / ٤١٢).
(٢) في ب : بعد.
(٣) ذكره البغوي (٢ / ٤١١) ، وبمعناه ذكره الرازي (١٨ / ٧٦).
(٤) ينظر : مجاز القرآن (١ / ٣٠٢).
(٥) أخرجه ابن جرير (٧ / ١٥٤) (١٨٨٢١) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٣) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٦) انظر ابن جرير (٧ / ١٥٤) والبغوي (٢ / ٤١٢).