والحذر هو العادة في الخلق ، والتوكل : تفويض الأمر إلى الله ، والاعتماد عليه. والله أعلم.
وقوله : (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) من أبواب متفرقة.
(ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ).
أي : ما كان يدفع ذلك عنهم ما حكم الله عليهم أنه يصيبهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها).
الحاجة في النفس : أحد شيئين : إما الرغبة ، وإما الرهبة ؛ كقوله : (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً) فعلى ذلك حاجة يعقوب ، لا تخلو : إما أن كانت رغبة منه ؛ في تفرقهم ، أو رهبة في اجتماعهم ؛ قضى تلك الحاجة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ).
يشبه أن يكون هذا صلة ما قال يعقوب لبنيه : (لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) أي : وإنه لذو علم لما أمرهم بالدخول على التفرق ؛ والنهي عن الاجتماع.
وقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
ما أراد بقوله : (لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) : من السكك المتفرقة ، ما كان يغني عنهم من قضاء الله شيئا إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ، يقول : بدأها فتكلم بها.
(وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) يقول : حافظا لما علمناه (١) ، وقيل : حافظا له ؛ عالما به ، وقيل : (لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) أي : عمل بجميع ما علم وانتفع به ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) لم ينتفعوا بما علموا.
ويحتمل : وإنه لذو علم بقصة (٢) يوسف من أولها إلى آخرها ؛ كما (٣) أخبرناه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك.
وجائز أن يكون قوله : (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) أي : ما أصابه من الحزن (٤) ؛ بذهاب يوسف وأخيه ، وما أصابه من الشدة والنكبة لم يؤثر ذلك في علمه الذي علمناه ، وإن أثر ذلك في نفسه وبدنه ، أي علمه بما علمناه بعد ما أصابه ما أصابه ؛ كهو ما كان قبل ذلك ،
__________________
(١) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٤٣٨) ، وكذا الرازي (١٨ / ١٤١).
(٢) في ب : بقصته.
(٣) في ب : لما.
(٤) في أ : الخوف.