دلت الآية على حكمين :
الأول : جواز الحجاج في الدين ، فإن كان مع الكفار وأهل البدع فذلك ظاهر الجواز ، وإن كان مع المؤمنين جاز بشرط أن يقصد إرشاده إلى الحق ؛ لا إن قصد الغلو فمحظور ، ويزداد الحظر إن أظهر السخرية ، ولا ينبغي أن يجادل من هذه حاله ؛ لأنه يكون مسببا له لفعل القبيح.
وحكي عن الشافعي : أنه كان إذا جادل أحدا قال : اللهم ألق الحق على لسانه.
الحكم الثاني : أن الغلو في الدين لا يجوز ، وهو المجاوزة للحق إلى الباطل ، ومن هذا الغلو في الطهارة مع كثير من الناس ، فالزيادة على ما ورد به الشرع لغير موجب.
وللإمام يحيى بن حمزة رسالة إلى السيد داود بن حمدين ؛ زجرا له عن التعدي في الطهارة ، سماها : (الوازعة لذوي الألباب عن فرط الشك والارتياب).
وقد قال الزمخشري : إن المراد لا تغلو في دينكم غلوا باطلا ، وذلك بتجاوز الحق ، والإعراض عن الأدلة ، واتباع الشبه ، كما يفعله أهل الأهواء.
وأما الغلو الذي هو حق ، وذلك الفحص عن حقائق الدين ، والتفتيش عن معانيه البعيدة ، كما يفعله المتكلمون فذلك محمود.
قوله تعالى
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [المائدة : ٧٨ ـ ٨٠]