أنكروا وعظ الواعظين ؛ لأنهم أيسوا من رجوعهم ، وأن الوعظ لا يجدي ، وعند ذلك يصير عبثا ، ويحصل بذلك الاستهزاء بالواعظ.
قال الزمخشري : ويقبح ، وإنما وعظت الأمة الثانية لأنهم لم ييأسوا كما أيس الآخرون ، فدلت على سقوط الأمر عند الأياس من التأثير.
وأما حسنه فقيل : يقبح أيضا ، وهو الذي أشار إليه الزمخشري ، وإنما قالت الأمة الثانية : (مَعْذِرَةً) لرجائهم لإيمانهم ، وقيل : أما الوجوب فيسقط ، وأما الحسن فيبقى ، ولهذا قالت الأمة الثانية معذرة ، واختار هذا الإمام يحيى (١) ، واحتج بهذه الآية ، فعلى هذا يكون الناهون عن الوعظ ممن نجا ، وهذا مروي عن الحسن ، وعكرمة ، والأصم ، وأبي علي.
وعن الحسن : نجت فرقتان ، يعني : الواعظة ، والساكتة ، وهلكت فرقة وهم الذين صادوا ، وقيل : هم ممن هلك ، وهذا رواية ابن عباس.
وقيل : القائلون لم تعظون هم الموعوظون لما وعظوا ، قالوا للواعظين : لم تعظون قوما تزعمون أن الله مهلكهم أو معذبهم؟ وقد يستدل أن الذرائع محرمة ؛ لأنه قد روي أنهم نصبوا الشراك الجمعة ، وأخذوها الأحد.
قوله تعالى
(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ) [الأعراف : ١٦٥]
قيل : النسيان عبارة عن الترك فلهذا يعذبوا ، وقيل : تعرضوا للنسيان فلهذا عذبوا. وأما النسيان فهو فعل الله ، ولا يعذبون عليه.
__________________
(١) وقد تقدمت هذه الأقوال في أول البقرة في قوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) الخ.