الوجه الثاني : أنهما من صلب آدم ، وهذا مروي عن ابن عباس ، وابن عمر ، ومجاهد ، وقتادة ، وأبي علي ، وأبي مسلم ، وهو الصحيح لظاهر اللفظ ، وتواتر الأخبار ، ولأنه لم يعرف التنقير إلا من الغراب ، وإنما كان الكتب على بني إسرائيل ؛ لأن الاقتداء يحصل في قتل الواحد فيهم ، كما يحصل في قتل أحد ابني آدم للآخر.
السؤال الثاني؟ : أن يقال : لم خصّ بني إسرائيل بالذكر؟
قال : لأنهم أول من تعبدوا بذلك ، فخصوا بالذكر ، وإلا فحكم الجميع واحد في عظم القتل ، وقد قال الحسن لما سئل عن ذلك : والله ما كانت دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا.
وقال جار الله (١) : إنما جعل الواحد كالجماعة ؛ لأن كل إنسان يدلي بما يدلي به الآخر من الكرامة على الله تعالى ، فإذا قتل نفسا فقد أهان ما أكرمه الله.
وقوله تعالى : (بِغَيْرِ نَفْسٍ) في ذلك دلالة على ثبوت القصاص وهي عامة ، وسيأتي شرح الكلام في ذلك (٢).
وقوله تعالى : (أَوْ فَسادٍ) عطف على (نَفْسٍ) أي : وبغير فساد ، قيل : أراد بالفساد الشرك ، وقيل : أراد قاطع الطريق.
قوله تعالى
(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي
__________________
(١) الكشاف ١ / ٦٠٩.
(٢) سيأتي قريبا في شرح قوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ).